Thursday, June 24, 2010

فائض الفاق السياسى

فائض النفاق السياسي والاجتماعي
نبيل عبد الفتاح ( عن صحيفة الأهرام)
تعاني الحياة اليومية من أمراض اجتماعية عديدة‏,‏ وخاصة في غالب تفاصيلها من النفاق والمنافقين‏.‏ هؤلاء الحاضرون دائما في تفاعلات العائلات والأسر والجيرة‏,‏ والمدارس والجامعات‏,‏ والمؤسسات والعمل في أجهزة الدولة أو القطاع الخاص‏.‏ يبدو النفاق كثقافة وآلية للدفاع عن الذات‏,‏ أو بهدف الحصول علي بعض المغانم بلا استحقاق‏,‏ أو بمشروعية‏!‏ أصبح النفاق يشكل ثقافة للتعايش مع قوانين القوة والمكانة والثروة والهيبة من قبل ذوي المصلحة أيا كانت مادية أو معنوية‏...‏إلخ‏.‏ والسؤال هنا ما هو النفاق وما الفارق بينه وبين المجاملات الاجتماعية ؟ وماهي أسباب وآثاره الوبيلة ؟
النفاق ليس المجاملات الاجتماعية‏,‏ أو اللياقة السلوكية في المجالين السياسي والاجتماعي‏.‏ النفاق هو مدح وتملق الشخص الممدوح بصفات قد توجد فيه ويتم تضخيمها لمصلحة ما‏,‏ أو لا توجد في سلوكه‏,‏ أو أخلاقياته وقيمه أو ثقافته أو اعتقاداته أو سلوكه الاجتماعي أو السياسي‏,‏ أو في خطابه اليومي أيا كان‏.‏ ويرمي المنافق الحصول علي منفعة آجلة‏,‏ أو عاجلة‏.‏ وقد ينافق بعضهم لخلل نفسي في تكوينة‏-‏ المنافق‏/‏المادح للآخرين‏-‏ أيا كانوا لضعف في شخصيته أو إحساس غامر بالمهانة والانحطاط والوضاعة‏,‏ ومن ثم يمدح وينافق الآخرين مداراة لعجزه ومرضه النفسي‏,‏ أو خوفا منهم‏,‏ أو طلبا لمزية يستحقها أو يخشي عدم الحصول عليها‏,‏ لأن الممدوح لن يعطيها له إلا إذا أغدق عليه المنافق من الصفات الإيجابية المبالغ فيها من قبيل‏:‏ وصفه بالجود والكرم والقوة‏,‏ والشجاعة والعدل‏,‏ والنزاهة والاستقامة‏,‏ والمعرفة والذكاء والموهبة والتدين‏.‏اللياقة الاجتماعية أمر آخر غير النفاق‏,‏ فهي نمط من السلوك الاجتماعي المهذب والخطاب اللفظي الأنيق الذي يستخدم بعض الكلمات والتعبيرات اللفظية الناعمة ـ العامية أو الفصيحة ـ والتي تتسم بالفطنة في بعض المواقف الاجتماعية الحرجة أو إزاء بعض الشخصيات أو الأسر أو العائلات أو الجماعات‏.‏اللياقة الاجتماعية أيضا هي نمط سلوكي يتخذه الشخص إزاء مواقف محددة كالترقية إلي وظيفة أو مكانة أعلي‏,‏ أو في بعض المواقف الحرجة‏_‏ أيا كانت‏-‏ في نسيانها‏,‏ أو تعمد إغفال مشاهدتها‏,‏ أو إبداء الحرج في طلب ما رغما عن استحقاق له‏,‏ أو في كيفية الخروج من موقف متأزم‏,‏ أو خلاف محتدم‏.‏ المجاملة سلوك وخطاب به بعض من المشروعية‏,‏ وبعض أخلاقيات وقيم وخطاب البورجوازيات العريقة الذي وصم تاريخيا بالنفاق والتهتك والكذب‏,‏ وغالب الانتقاد لها به بعض من الصحة لا شبهة حولها‏,‏ من الأخلاق البورجوازية الكاذبة انطوي أيضا علي نمط من التربية والسلوك والأقوال لا تزال حاملة لشرعية أخلاقية ما إزاء نمط غوغائي وسوقي وشاع‏,‏ ولايزال في بلادنا‏,‏ ومجتمعات أخري عديدة‏,‏ انكسرت بعض تقاليدها‏,‏ وأصاب الخلل والأعطاب نظامها الأخلاقي وقيمها التي افترسها الاهتراء‏.‏النفاق السياسي والاجتماعي يتزايد في المرحلة الراهنة في ظل اتساع الفجوات الاجتماعية بين الأثرياء عند القمة والفقراء عند سفح الهرم الاجتماعي وبين الشرائح بعضها بعضا‏,‏ وذلك لأسباب عديدة منها‏:‏‏*‏ تناقص الفرص الاجتماعية والسياسية والثقافية والاقتصادية‏,‏ وبطء الحراك الاجتماعي لأعلي‏.‏‏*‏ ارتفاع معدلات الفساد والرشوة والمحسوبية والوساطة في الترقي الوظيفي‏,‏ وفي الحصول علي العمل‏,‏ أو الخدمات الصحية الحكومية أو الخيرية‏,‏ أو في محاولة الإفلات من تطبيق القانون‏,‏ أو خشية بعض البسطاء والعوام‏_‏ أيا كان وضعهم الاجتماعي‏-‏ من قوة بعض الخارجين علي القانون‏,‏ ومن يمارسون البلطجة والعنف بلا رادع من قانون أو أخلاق‏.‏*‏ الخوف من ذوي السلطة والغلبة والمكانة والنفوذ والأذى الذي يلحق بغالب الناس‏.‏‏*‏ السلطة المطلقة التي لا رادع لها من الدستور أو القانون أو وسائل الضبط الاجتماعي والقيمي‏,‏ فضلا عن الطابع الشخصاني للسلطة واعتمادها علي تفضيلات شخصية ومعيارية لمن بحوزتهم القوة‏.‏‏*‏ اعتماد ثقافة النفاق علي ثقافة الخنوع والاستسلام الشائعة تاريخيا لدي غالب المصريين إزاء الأقوياء‏,‏ والتي تعتمد علي الامتثالية والخضوع أو ما نطلق عليه معامل القابلية للاستبداد والاستعباد إزاء سلطة مركزية طاغية ومفرطة في استخدام القوة‏,‏ أنها ثقافة بها بعض من بقايا قيم‏'‏ الفرعونية السياسية‏'-‏ بتعبير جمال حمدان‏_‏ والجبرية الاجتماعية‏,‏ والإحساس شبه الجماعي بحتميات اجتماعية وسياسية وطبيعية غلابة ترتكز علي ثقافة ميتاوضعية تختلط فيها الأساطير الوضعية والأخيلة الشعبية مع واقع الاستبداد السياسي التاريخي وفوائضه العديدة من الاستسلام‏,‏ والصبر وفق معانيه السلبية في ظل بعض من ثقافة شعبية مواتية داعمة ومبررة للقهر‏.‏‏*‏ الخلل في أنظمة التنشئة الاجتماعية والسياسية والتربية والتعليم علي الموالاة والنقل والحفظ والإتباع والخضوع لولي الأمر أيا كان سياسيا واجتماعيا واقتصاديا‏,‏ وذلك بدءا من كفاءته واستحقاقه و‏'‏عبقريته‏',‏ إلي أناقته واختياراته لخطوط موضة ملبسه‏!,‏ وصولا إلي استحقاقه مواقع سياسية ووزارية عليا‏,‏ وأنه أكثر أهمية من‏'‏ المديوكرات‏'‏ في بعض المواقع المتميزة‏,‏ وهكذا يتزايد سحر خطاب النفاق المعلن لدي الممدوحين ويتراكم بحيث ينتفخون مع فيض النفاق وكلماته المثيرة للسخرية والضحك‏!.‏من المثير متابعة المنافسات النفاقية علي تعددها والتي تؤدي غالبها إلي بناء حائط وهمي من كلمات المديح والنفاق‏,‏ التي تشكل حاجزا بين الممدوح وبين الآخرين‏,‏ بحيث لا يستطيع أن يواجه حقائقه وخطاياه الشخصية‏,‏ أو متطلبات العمل المنوط به‏.‏في متابعة النفاق وجماعات المنافقين علي اختلافهم‏!,‏ يمكنك ملاحظة بعض ملامح التغير في التركيبة النفسية لبعض الأشخاص العاديين أو حتي من يعلوهم‏,‏ عندما يتولوا سلطات أو مكانة أعلي‏,‏ ولاحظ حالة التماهي مع المنصب‏,‏ والتداخل بين الذات والسلطة‏,‏ وانظر إلي كيف يتعامل معه الآخرون‏,‏ من التقريظ والمديح المفرط‏.‏النفاق أيضا هو آلية مداهنة للسلطة السياسية والدينية والاجتماعية‏...‏إلخ‏,‏ ومحاولة لتكييفها مع مصالح بعض المنافقين عند كل مستوي لها‏,‏ في ظل غياب للشفافية والمساءلة ودولة القانون‏,‏ والديمقراطية‏.‏ النفاق أشكال وألوان منه تمثيلا لا حصرا‏:‏ النفاق السياسي للقادة والوزراء والمحافظين‏,‏ ولكل مستوي من هرم السلطة له منافقيه‏.‏ وأخطر النفاق هو الصحفي والإعلامي حيث يكال المديح بلا حساب تحقيقا لمصلحة‏,‏ أو تبريرا للمال السياسي الحكومي الذي يغدق علي بعضهم علي حساب غالب الإعلاميين‏,‏ أو المال السياسي لبعض رجال الأعمال لاستخدام بعض المنابر والكتابات الصحفية دفاعا عن مشروعاتهم وسلوكياتهم وتبريرا لها‏.‏ أزداد هذا النمط وشاع علي نحو خطر علي النظام الأخلاقي والسياسي في البلاد‏.‏ هناك أيضا النفاق الديني‏,‏ وأنماط آخري متعددة من المنافقين وسلوكياتهم العامة والخاصة وثمة نمط المنافقين لوجه النفاق‏...‏إلخ‏!.‏إن شيوع النفاق وفوائضه وأشكاله المتعددة‏,‏ اعتمد علي ثقافة الكذب والاحتيال‏,‏ وانسداد الآليات القانونية والاجتماعية للحصول علي الفرص المشروعة في المجتمع والدولة‏.‏ ثمة فيضان للنفاق والمنافقين في كل مكان في البلاد‏,‏ بينما مظاهر التقوي والإيمان الشكلي ـ من نظام الزي الديني واللحي واللغة الدينية ـ شائعة‏!,‏ الأخطر‏..‏ تزايد فيضانات الفساد والرشاوى والوساطة والمحسوبية‏,‏ ورائحة عفنة وطاغية لموت معلن تبدو في فضاءاتنا العديدة‏.‏

No comments:

Post a Comment