Monday, June 28, 2010

Sudanese Online:.:.:.:سودانيز اون لاين دوت كم

فضيحة بيروت

الحلقة الاولي ( 1 -2 )

ثروت قاسم
Tharwat20042004@yahoo.com

الحدث

في يوم الاحد الموافق 6 يونيو 2010م , اقامت مجموعة من السودانيين المقيمين في بيروت ( بصفة شرعية وبصفات اخري ؟ ) حفلاً خيرياً في حي الاوزاعي في بيروت , لصالح طفل مصاب بالسرطان . كان عدد المشاركين في الحفل حوالي مائتين , من بينهم لبنانيين . وكان الحفل داخل صالة حفلات عامة مقفولة , وان كان الحفل مفتوحاً لكل من هبّ ودبّ من عباد الرحمن . لم يصدر عن الحفل اي ازعاج للامن العام , ولم يشتكي اي من قاطني الحي علي اقامة أو أزعاج صادر من الحفل , بل علي العكس شارك بعض اللبنانيين من سكان الحي في الحفل الخيري.

كان كل شئ يسير في سلاسة وهدؤ عصر ذلك الاحد المشؤم , وهو يوم عطلة رسمية في لبنان !
ثم فجأة اقتحمت الحفل قوة مدججة بالاسلحة والهراوات , من قوات الامن العام اللبناني .
لم تطلب القوة من المشاركين في الحفل اظهار الاذن الرسمي باقامة الحفل ؟

لم تطلب القوة من المشاركين اظهار هوياتهم لتفرق بين السودانيين المقيمين بصورة شرعية , والاخرين المتسللين الي لبنان بطرق غير شرعية ؟

لم يكن للقوة وقادتها من الضباط , اي وقت للاستفسار والسؤال , بل اقتحموا القاعة بعنف وهمجية , وبدأوا بضرب الحاضرين بالهراوات , عشوائياً , ضرباً مبرحاً , وبتشفي وحقد دفين ، مع شتائم عنصرية , وبصق علي وجوه المحتفلين .

قيدت القوة الذئبية كل المتواجدين في الصالة ( بخلاف اللبنانيين المشاركين ) , دون فرز , بالاصفاد والكلابيش من خلف ظهورهم , وتم اخراجهم من الصالة المقفولة الي الطريق العام , حيث امروا بالانبطاح علي بطونهم ارضاً ! وداس افراد القوة علي رؤوس , ورقاب المقيدين , وهم يبصقون علي مؤخرة روؤسهم , صارخين شاتمين , بعبارات عنصرية , تواري خجلاً من سماعها , اللبنانيون الذين تجمهروا في الشارع , ليشاهدوا الماساة ؟

وظن جميع المتجمهرين , وليس كل الظن اثم , ان السودانيين ربما كانوا يخططون لقلب نظام الحكم في لبنان .

بعد مسرحية الضرب والبصق والشتائم العنصرية , تم نقل الجميع , مقيدين بالاصفاد والكلابيش , الي جهاز الامن العام ! وهم بين مصدق ومكذب ؟

بل في ذهول تام ؟

تم حبس المعتدي عليهم من السودانيين في أقبية وسراديب رئاسة الأمن العام اللبناني لمدة 12 يوما , من يوم الاحد 6 الي يوم الجمعة 18 يونيو2010 ؟

وطيلة هذه المدة لم يتم أستجواب أي منهم , حتي حاملي الأقامات الشرعية منهم ؟ وعاني المحتجزون طيلة هذه المدة من الجوع والعطش ! واكثر معاناتهم كانت من عدم السماح لهم بقضاء الحاجة , الأ مرة واحدة في اليوم لكل واحد منهم ؟
كادت هذه الحادثة تمر من دون أن تستوقف أحداً , لولا أخطار بعض المحتجزين , فور الإفراج عنهم يوم الجمعة 18 يونيو 2010 , وكالات الانباء المحلية والدولية بما جري لهم ؟
وأعطي الحادثة بعدأ اضافيأ , وزخمأ أعلاميأ متزايدأ , تزامنها مع اليوم العالمي ل الاجئين ( هذه هي المرة الأولى التي يتم فيها الاحتفال بهذا اليوم في الشرق الأوسط ) , وزيارة المفوض السامي لشؤون اللاجئين أنطونيو غوتيريس لبيروت في نفس يوم تفجير وفضح الحادثة ... الجمعة 18 يونيو 2010 ؟

في يوم الجمعة الموافق 18 يونيو 2010 , تم اطلاق سراح من يحمل اقامة لبنانية سارية المفعول من المحبوسين ! وكأن شيئاً لم يحدث ؟ هكذا ؟؟

وتقرر ترحيل الباقين ( وهم من الدارفوريين طالبي اللجؤ السياسي في لبنان ) قسراً الي الخرطوم مباشرة .

هذا ملخص لما حدث يوم الاحد الموافق 6 يونيو 2010م , لمجموعة كريمة من السودانيين في منطقة الاوزاعي في بيروت ! ويمكن للقارئ الكريم الرجوع لمزيد من التفاصيل في مقالة الدكتورة نسرين مالك في جريدة القارديان البريطانية ( عدد الثلاثاء الموافق 22 يونيو 2010م) !

حيرة مكلبش دارفوري

يقول لك احد المقيدين بالاصفاد اللبنانية من أبناء دارفور , أن المولي عز وجل اوصاهم في الاية 97 من سورة النساء , أن يهاجروا في أرض الله الواسعة , بعدما أستضعفهم نظام الأنقاذ في ديار فور :

انَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنتُمْ ۖ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ ۚ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّـهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا ۚ فَأُولَـٰئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ ۖ وَسَاءَتْ مَصِيرًا .
﴿٩٧ – النساء ﴾

ولكنهم كانوا كالمستجير من الرمضاء بالنار , بل ابئس مصيرأ ؟

لم يستطع هذا المكلبش الدارفوري أستنكاه أبعاد وأسباب هذه الحادثة . غلبه الأمر وأعياه تماما . وكيف لا يعييه الأمر وقد صار شأن الوطن الى قومٍ مقحطين لا خلّ عندهم ولا ماء , او كما يقول المعلم ؟


السفير العينة

صرح سعادة سفير لبنان في الخرطوم بانه , وبتوجيه من الشيخ سعد الحريري رئيس الوزراء ( السني ) , والسيد نبيه بري رئيس المجلس الوطني ( الشيعي ) , ( لم يذكر سعادة السفير الرئيس ميتشيل سليمان رئيس الجمهورية , المسيحي ) سوف يتم القيام بتحقيق حول الحادث لمعرفة تفاصيله ومسبباته ومخرجاته ؟ واكد ان حكومته سوف تقدم اعتذار رسمي , اذا ثبت اي خطأ في الاجراءات ؟

اكتشف سفير لبنان في الخرطوم , بعد جهد جهيد , ان لبنان والسودان متشابهان في اللفظ , متعارضان في المساحة ؟ لبنان أصغر دولة متوسطية , والسودان أكبر دولة أفريقية ؟ لبنان خمسة حروف , سودان خمسة حروف ؟ هما عدد أصابع اليد ؟

ردت عنقالية في الانترنيت علي سعادة سفير لبنان احمد الشماط في الخرطوم مستعجبة :

واااا دقلوشتي يا ناس .... واااحلاتي ياناس ؟؟؟

واذا سمحنا لانفسنا بأن نهبط الي درك الهاوية الفكرية السحيقة , المتعلقة بمقارنة سعادة السفير بين حروف كلمة السودان وحروف كلمة لبنان , يمكن ان نذكر سعادته , لعل الذكري تفيد الغافلين , ان حروف السودان وحروف سوريا اقرب للتوأمة , كون كليهما يبدأ ويتميز بالسين والواو الضكر , الذى يكسبهما فحولة ورجولة , أو كما افتي بذلك هرم من أهرامات الفكر السوداني ؟

وحاول سعادة السفير اللبناني ان يبطبط علي اكتاف السودانيين الغلابة المساكين بأن أدعي بأنه لولا السواد السوداني , ما سطع النجم الأبيض اللبناني , ولولا السواد السوداني ما ظهر البدر الابيض اللبناني في السماء ؟ وأن سواد السودانيين يذكره بسكون الليل , وبكسوة الكعبة السوداء , وبالجلباب الاسود للراهب اللبناني , ونسي أن يقول بثياب الحداد التي يلبسها اللبنانيون ؟

أختزل سعادة السفير اللبناني السودان في لون بشرة أهله ؟

كان سفير لبنان في الخرطوم يؤمن بأنه يخاطب اطفالا في مرحلة الاساس , ويقنعهم بأن سوادهم مهم , لكي يظهر عظمة البياض اللبناني , فبالاضداد تظهر عظمة الأشياء ؟

لم يجد سعادة السفير شيئأ ذا بال في السودانيين للاشادة به , سوي لون بشرتهم الأسود ؟

لم يكحلها , بل عماها ؟

العلاقة بين لبنان والسودان ليس قضية لون بشرة ، تعتورها هترشات الدبلوماسيين العيال الرنانة , وتخدشها الطنطنة الدبلوماسية الجوفاء ؟ هذه العلاقة مسئولية لها استحقاقات ، من قام بالوفاء بها استحق أحترام الناس ، ومن تخلى عنها خسر ذلك الاحترام . وعليه فأن تصريحات السفير اللبناني في الخرطوم تظل كلامأ اطفاليأ ( وليس طفوليأ ) , وقعقعات إعلامية فارغة , لا تسكن وتهدئ وتطيب الخاطر , بل تهيج وتغيظ وتدمي القلوب ! تصريحات لا تعدو أن تكون قبض الريح ؟ شيك طائر لا يمكن صرفه في لبنان ؟ تصريحات هوائية لم ولن تترجم إلى واقع ملموس على الأرض في لبنان ، يراه السودانيون في لبنان ويحترمونه .

من لي بمن يذكر هذا السفير بأن الأمم الأخلاق , وليس الامم لون بشرة الجلد ؟

من لي بمن يذكر هذا السفير بان الكنداكة اماني السودانية المروية , 24 سنة قبل ميلاد المسيح , كانت أول من أستعمل الصرف الصحي في تاريخ البشرية ؟

من لي بمن يذكر هذا السفير بان الفرعون بعانخي السوداني أخضع بلاد مصر والشام ( بما في ذلك لبنان ) لحكمه من جبل البركل ؟

من لي بمن يذكر هذا السفير بان الامام المهدي , عليه السلام , كان أول من اذل الامبراطورية البريطانية التي كانت لا تغيب عنها الشمس ؟

من لي بمن يذكر هذا السفير بروائع التجاني يوسف بشير , وأبداعات كرومة , وعبقريات الطيب صالح , وتجليات السيد الأمام الفكرية ؟

من لي بمن يذكر هذا السفير بان هذا الشعب السوداني العظيم لا يتم الحكم عليه بمعيار لون البشرة , وانما بمعيار ما قدمه للانسانية منذ اربعة الاف سنة في دولة كرمة , اول تجمع سكاني عرفته البشرية ! الانسان السوداني في كرمة الذي كان اول من أستأنس البقر في التاريخ البشري قاطبة ؟

ولكن نستأهل نحن السودانيين الذين يحكمنا مبيد جماعي مطلوب من العدالة الدولية !

فلم لا يعظنا وينورنا علي أهمية سوادنا الذي يظهر عظمة البياض اللبناني امثال هذا السفير الفيلسوف ؟ الذي ظن أنه أتي بما لم تأتي به الاوائل ؟

ونختم فنقول بلغة سعادة السفير الجاهلة الجهولة :

أذا ما لبنان سام الناس خسفأ ... أبينا أن نقر الذل فينا

ألا لا يجهلنْ أحدٌ علينا ... فنجهلُ فوق جهل الجاهلينا

علي أثارنا سود حسان ... نحاذر أن تقسم أو تهونا

ونشرب أن وردنا الماء صفوا ... ويشرب غيرنا كدرا وطينا


سعادة السفير السوداني في لبنان

حاول سعادة السفير السوداني في لبنان , سعادة السيد إدريس سليمان أن يصب الماء علي نيران هذا الحادث البشع , الذي وصفه بالفردي والمعزول , بعد لقائه مع الشيخ سعد الحريري يوم الخميس الموافق 24 يونيو 2010 ! حاول سعادة السفير السوداني في لبنان ان يحشر الموضوع تحت البساط , حتي لا تنفجر تداعياته في وجهه , وتظهر الحقيقة المرة من أن سعادة القنصل العام السوداني في لبنان , سعادة السيد سمير باتوت , كان وراء أخطار الامن العام اللبناني بمكان وزمان الحفل الخيري السوداني ؟ وكان وراء تأليب قوي الأمن العام اللبناني ضد السودانيين طالبي اللجؤ السياسي في لبنان ؟

وأشد مرارة من ذلك , أن سعادة السفير السوداني في لبنان يدعي , جورأ وبهتانأ , ان الغرض من تضخيم هذه الحادثة ( البشعة في نظر الجميع , وبكل المقاييس ) , والفردية والمعزولة في تقدير سعادة السفير , هو رغبة هؤلاء المزايدين من طالبي اللجؤ السياسي من السودانيين في الحصول على حق اللجوء السياسي ؟

فتأمل ظلم ذوي القربي ؟

السفارة السودانية في بيروت

ثلاثة أمور يجب التوكيد عليهما وتعريتهما :

الامر الاول :

كما مذكور أعلاه , فأن سعادة القنصل العام السوداني في لبنان , سعادة السيد سمير باتوت , كان وراء أخطار الامن العام اللبناني بمكان وزمان الحفل الخيري السوداني ؟ وكان وراء تأليب قوي الأمن العام اللبناني ضد السودانيين المشاركين في الحفل من طالبي اللجؤ السياسي في لبنان ؟

الأمر الثاني :

أن المعتدي عليهم من السودانيين , بعد أطلاق سراحهم من المعتقل في يوم الجمعة 18 يونيو2010 , بعد 12 يوما من الحبس التعسفي المذل , لم يولوا شطرهم قبل السفارة السودانية في بيروت , ويبلغوها بما حدث لهم . بل تجاهلوا السفارة السودانية تماما , وطرحوا قضيتهم امام وسائل الاعلام اللبنانية ؟

وأدعت السفارة , كذبأ , انها علمت بالموضوع من وسائل الاعلام اللبنانية ؟

الامر الثالث:

أن الموقوفين قد تم سجنهم لمدة 12 يومأ حسوما في أقبية وسراديب الامن العام اللبناني , من يوم الأحد 6 الي يوم الجمعة 18 يونيو 2010 ! وكل فرد من افراد الجالية السودانية في لبنان بل في سوريا والاردن كان يعرف تفاصيل التفاصيل لحادثة عصر الاحد 6 يونيو 2010 . وطبعأ السفارة السودانية في بيروت كانت تعرف , وبالتفاصيل الدقيقة , كل ما جري عصر يوم الاحد المشئوم , واسماء وهويات المقبوض عليهم في أقبية وسراديب الامن العام اللبناني ؟ ولكن لم تحرك السفارة السودانية ساكنأ , ولم تحاول تقصي الامر . بل علي العكس , كانت شامتة في المقبوض عليهم , ولسان حالها ينبح :

كيتن عليهم ! تاني تجوا الحولة ؟

تؤكد الامور الثلاثة اعلاه , الطلاق الباين وعدم الثقة , والجفوة , بل العداوة بين السودانيين المتواجدين في لبنان ( طالبي لجؤ سياسي وغيرهم ؟ ) , وطاقم السفارة السودانية الحالي ؟

وبالتالي تؤكد عدم الثقة , والعداوة المتبادلة تلك , أن طاقم السفارة الحالي , الذي يمشي مكبأ علي رأسه , قد فشل فشلا ذريعأ في مهمته الاساسية ؟ وعزل نفسه تماما عن الجالية السودانية في لبنان ؟

في هذه الحالة , ما جدوي الاستمرار في فتح سفارة سودانية في لبنان ؟ اذا كان السودانيون المتواجدون في لبنان يهربون من طاقمها , ولا يلجأون للسفارة عندما تحل بهم نائبة ؟

اللهم الأ اذا كانت مهمة السفارة الحصرية هي التجسس علي السودانيين المعارضين لنظام الأنقاذ , وتحريش قوي الامن العام اللبناني ضدهم ؟ ليذلهم وينكل بهم ؟


ملاحظات

تناول الكتاب الكرام التعليق علي حادثة الاوزاعي ! ولكنهم اغفلوا التعليق علي جانب مهم , بل الاهم في هذه الفضيحة ! وسوف نحاول تسليط الضؤ علي هذا الجانب الذي نعتبره الاهم في هذه الفضيحة.

Sudanese Online:.:.:.:سودانيز اون لاين دوت كم

فضيحة بيروت

الحلقة الاولي ( 1 -2 )

ثروت قاسم
Tharwat20042004@yahoo.com

الحدث

في يوم الاحد الموافق 6 يونيو 2010م , اقامت مجموعة من السودانيين المقيمين في بيروت ( بصفة شرعية وبصفات اخري ؟ ) حفلاً خيرياً في حي الاوزاعي في بيروت , لصالح طفل مصاب بالسرطان . كان عدد المشاركين في الحفل حوالي مائتين , من بينهم لبنانيين . وكان الحفل داخل صالة حفلات عامة مقفولة , وان كان الحفل مفتوحاً لكل من هبّ ودبّ من عباد الرحمن . لم يصدر عن الحفل اي ازعاج للامن العام , ولم يشتكي اي من قاطني الحي علي اقامة أو أزعاج صادر من الحفل , بل علي العكس شارك بعض اللبنانيين من سكان الحي في الحفل الخيري.

كان كل شئ يسير في سلاسة وهدؤ عصر ذلك الاحد المشؤم , وهو يوم عطلة رسمية في لبنان !
ثم فجأة اقتحمت الحفل قوة مدججة بالاسلحة والهراوات , من قوات الامن العام اللبناني .
لم تطلب القوة من المشاركين في الحفل اظهار الاذن الرسمي باقامة الحفل ؟

لم تطلب القوة من المشاركين اظهار هوياتهم لتفرق بين السودانيين المقيمين بصورة شرعية , والاخرين المتسللين الي لبنان بطرق غير شرعية ؟

لم يكن للقوة وقادتها من الضباط , اي وقت للاستفسار والسؤال , بل اقتحموا القاعة بعنف وهمجية , وبدأوا بضرب الحاضرين بالهراوات , عشوائياً , ضرباً مبرحاً , وبتشفي وحقد دفين ، مع شتائم عنصرية , وبصق علي وجوه المحتفلين .

قيدت القوة الذئبية كل المتواجدين في الصالة ( بخلاف اللبنانيين المشاركين ) , دون فرز , بالاصفاد والكلابيش من خلف ظهورهم , وتم اخراجهم من الصالة المقفولة الي الطريق العام , حيث امروا بالانبطاح علي بطونهم ارضاً ! وداس افراد القوة علي رؤوس , ورقاب المقيدين , وهم يبصقون علي مؤخرة روؤسهم , صارخين شاتمين , بعبارات عنصرية , تواري خجلاً من سماعها , اللبنانيون الذين تجمهروا في الشارع , ليشاهدوا الماساة ؟

وظن جميع المتجمهرين , وليس كل الظن اثم , ان السودانيين ربما كانوا يخططون لقلب نظام الحكم في لبنان .

بعد مسرحية الضرب والبصق والشتائم العنصرية , تم نقل الجميع , مقيدين بالاصفاد والكلابيش , الي جهاز الامن العام ! وهم بين مصدق ومكذب ؟

بل في ذهول تام ؟

تم حبس المعتدي عليهم من السودانيين في أقبية وسراديب رئاسة الأمن العام اللبناني لمدة 12 يوما , من يوم الاحد 6 الي يوم الجمعة 18 يونيو2010 ؟

وطيلة هذه المدة لم يتم أستجواب أي منهم , حتي حاملي الأقامات الشرعية منهم ؟ وعاني المحتجزون طيلة هذه المدة من الجوع والعطش ! واكثر معاناتهم كانت من عدم السماح لهم بقضاء الحاجة , الأ مرة واحدة في اليوم لكل واحد منهم ؟
كادت هذه الحادثة تمر من دون أن تستوقف أحداً , لولا أخطار بعض المحتجزين , فور الإفراج عنهم يوم الجمعة 18 يونيو 2010 , وكالات الانباء المحلية والدولية بما جري لهم ؟
وأعطي الحادثة بعدأ اضافيأ , وزخمأ أعلاميأ متزايدأ , تزامنها مع اليوم العالمي ل الاجئين ( هذه هي المرة الأولى التي يتم فيها الاحتفال بهذا اليوم في الشرق الأوسط ) , وزيارة المفوض السامي لشؤون اللاجئين أنطونيو غوتيريس لبيروت في نفس يوم تفجير وفضح الحادثة ... الجمعة 18 يونيو 2010 ؟

في يوم الجمعة الموافق 18 يونيو 2010 , تم اطلاق سراح من يحمل اقامة لبنانية سارية المفعول من المحبوسين ! وكأن شيئاً لم يحدث ؟ هكذا ؟؟

وتقرر ترحيل الباقين ( وهم من الدارفوريين طالبي اللجؤ السياسي في لبنان ) قسراً الي الخرطوم مباشرة .

هذا ملخص لما حدث يوم الاحد الموافق 6 يونيو 2010م , لمجموعة كريمة من السودانيين في منطقة الاوزاعي في بيروت ! ويمكن للقارئ الكريم الرجوع لمزيد من التفاصيل في مقالة الدكتورة نسرين مالك في جريدة القارديان البريطانية ( عدد الثلاثاء الموافق 22 يونيو 2010م) !

حيرة مكلبش دارفوري

يقول لك احد المقيدين بالاصفاد اللبنانية من أبناء دارفور , أن المولي عز وجل اوصاهم في الاية 97 من سورة النساء , أن يهاجروا في أرض الله الواسعة , بعدما أستضعفهم نظام الأنقاذ في ديار فور :

انَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنتُمْ ۖ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ ۚ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّـهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا ۚ فَأُولَـٰئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ ۖ وَسَاءَتْ مَصِيرًا .
﴿٩٧ – النساء ﴾

ولكنهم كانوا كالمستجير من الرمضاء بالنار , بل ابئس مصيرأ ؟

لم يستطع هذا المكلبش الدارفوري أستنكاه أبعاد وأسباب هذه الحادثة . غلبه الأمر وأعياه تماما . وكيف لا يعييه الأمر وقد صار شأن الوطن الى قومٍ مقحطين لا خلّ عندهم ولا ماء , او كما يقول المعلم ؟


السفير العينة

صرح سعادة سفير لبنان في الخرطوم بانه , وبتوجيه من الشيخ سعد الحريري رئيس الوزراء ( السني ) , والسيد نبيه بري رئيس المجلس الوطني ( الشيعي ) , ( لم يذكر سعادة السفير الرئيس ميتشيل سليمان رئيس الجمهورية , المسيحي ) سوف يتم القيام بتحقيق حول الحادث لمعرفة تفاصيله ومسبباته ومخرجاته ؟ واكد ان حكومته سوف تقدم اعتذار رسمي , اذا ثبت اي خطأ في الاجراءات ؟

اكتشف سفير لبنان في الخرطوم , بعد جهد جهيد , ان لبنان والسودان متشابهان في اللفظ , متعارضان في المساحة ؟ لبنان أصغر دولة متوسطية , والسودان أكبر دولة أفريقية ؟ لبنان خمسة حروف , سودان خمسة حروف ؟ هما عدد أصابع اليد ؟

ردت عنقالية في الانترنيت علي سعادة سفير لبنان احمد الشماط في الخرطوم مستعجبة :

واااا دقلوشتي يا ناس .... واااحلاتي ياناس ؟؟؟

واذا سمحنا لانفسنا بأن نهبط الي درك الهاوية الفكرية السحيقة , المتعلقة بمقارنة سعادة السفير بين حروف كلمة السودان وحروف كلمة لبنان , يمكن ان نذكر سعادته , لعل الذكري تفيد الغافلين , ان حروف السودان وحروف سوريا اقرب للتوأمة , كون كليهما يبدأ ويتميز بالسين والواو الضكر , الذى يكسبهما فحولة ورجولة , أو كما افتي بذلك هرم من أهرامات الفكر السوداني ؟

وحاول سعادة السفير اللبناني ان يبطبط علي اكتاف السودانيين الغلابة المساكين بأن أدعي بأنه لولا السواد السوداني , ما سطع النجم الأبيض اللبناني , ولولا السواد السوداني ما ظهر البدر الابيض اللبناني في السماء ؟ وأن سواد السودانيين يذكره بسكون الليل , وبكسوة الكعبة السوداء , وبالجلباب الاسود للراهب اللبناني , ونسي أن يقول بثياب الحداد التي يلبسها اللبنانيون ؟

أختزل سعادة السفير اللبناني السودان في لون بشرة أهله ؟

كان سفير لبنان في الخرطوم يؤمن بأنه يخاطب اطفالا في مرحلة الاساس , ويقنعهم بأن سوادهم مهم , لكي يظهر عظمة البياض اللبناني , فبالاضداد تظهر عظمة الأشياء ؟

لم يجد سعادة السفير شيئأ ذا بال في السودانيين للاشادة به , سوي لون بشرتهم الأسود ؟

لم يكحلها , بل عماها ؟

العلاقة بين لبنان والسودان ليس قضية لون بشرة ، تعتورها هترشات الدبلوماسيين العيال الرنانة , وتخدشها الطنطنة الدبلوماسية الجوفاء ؟ هذه العلاقة مسئولية لها استحقاقات ، من قام بالوفاء بها استحق أحترام الناس ، ومن تخلى عنها خسر ذلك الاحترام . وعليه فأن تصريحات السفير اللبناني في الخرطوم تظل كلامأ اطفاليأ ( وليس طفوليأ ) , وقعقعات إعلامية فارغة , لا تسكن وتهدئ وتطيب الخاطر , بل تهيج وتغيظ وتدمي القلوب ! تصريحات لا تعدو أن تكون قبض الريح ؟ شيك طائر لا يمكن صرفه في لبنان ؟ تصريحات هوائية لم ولن تترجم إلى واقع ملموس على الأرض في لبنان ، يراه السودانيون في لبنان ويحترمونه .

من لي بمن يذكر هذا السفير بأن الأمم الأخلاق , وليس الامم لون بشرة الجلد ؟

من لي بمن يذكر هذا السفير بان الكنداكة اماني السودانية المروية , 24 سنة قبل ميلاد المسيح , كانت أول من أستعمل الصرف الصحي في تاريخ البشرية ؟

من لي بمن يذكر هذا السفير بان الفرعون بعانخي السوداني أخضع بلاد مصر والشام ( بما في ذلك لبنان ) لحكمه من جبل البركل ؟

من لي بمن يذكر هذا السفير بان الامام المهدي , عليه السلام , كان أول من اذل الامبراطورية البريطانية التي كانت لا تغيب عنها الشمس ؟

من لي بمن يذكر هذا السفير بروائع التجاني يوسف بشير , وأبداعات كرومة , وعبقريات الطيب صالح , وتجليات السيد الأمام الفكرية ؟

من لي بمن يذكر هذا السفير بان هذا الشعب السوداني العظيم لا يتم الحكم عليه بمعيار لون البشرة , وانما بمعيار ما قدمه للانسانية منذ اربعة الاف سنة في دولة كرمة , اول تجمع سكاني عرفته البشرية ! الانسان السوداني في كرمة الذي كان اول من أستأنس البقر في التاريخ البشري قاطبة ؟

ولكن نستأهل نحن السودانيين الذين يحكمنا مبيد جماعي مطلوب من العدالة الدولية !

فلم لا يعظنا وينورنا علي أهمية سوادنا الذي يظهر عظمة البياض اللبناني امثال هذا السفير الفيلسوف ؟ الذي ظن أنه أتي بما لم تأتي به الاوائل ؟

ونختم فنقول بلغة سعادة السفير الجاهلة الجهولة :

أذا ما لبنان سام الناس خسفأ ... أبينا أن نقر الذل فينا

ألا لا يجهلنْ أحدٌ علينا ... فنجهلُ فوق جهل الجاهلينا

علي أثارنا سود حسان ... نحاذر أن تقسم أو تهونا

ونشرب أن وردنا الماء صفوا ... ويشرب غيرنا كدرا وطينا


سعادة السفير السوداني في لبنان

حاول سعادة السفير السوداني في لبنان , سعادة السيد إدريس سليمان أن يصب الماء علي نيران هذا الحادث البشع , الذي وصفه بالفردي والمعزول , بعد لقائه مع الشيخ سعد الحريري يوم الخميس الموافق 24 يونيو 2010 ! حاول سعادة السفير السوداني في لبنان ان يحشر الموضوع تحت البساط , حتي لا تنفجر تداعياته في وجهه , وتظهر الحقيقة المرة من أن سعادة القنصل العام السوداني في لبنان , سعادة السيد سمير باتوت , كان وراء أخطار الامن العام اللبناني بمكان وزمان الحفل الخيري السوداني ؟ وكان وراء تأليب قوي الأمن العام اللبناني ضد السودانيين طالبي اللجؤ السياسي في لبنان ؟

وأشد مرارة من ذلك , أن سعادة السفير السوداني في لبنان يدعي , جورأ وبهتانأ , ان الغرض من تضخيم هذه الحادثة ( البشعة في نظر الجميع , وبكل المقاييس ) , والفردية والمعزولة في تقدير سعادة السفير , هو رغبة هؤلاء المزايدين من طالبي اللجؤ السياسي من السودانيين في الحصول على حق اللجوء السياسي ؟

فتأمل ظلم ذوي القربي ؟

السفارة السودانية في بيروت

ثلاثة أمور يجب التوكيد عليهما وتعريتهما :

الامر الاول :

كما مذكور أعلاه , فأن سعادة القنصل العام السوداني في لبنان , سعادة السيد سمير باتوت , كان وراء أخطار الامن العام اللبناني بمكان وزمان الحفل الخيري السوداني ؟ وكان وراء تأليب قوي الأمن العام اللبناني ضد السودانيين المشاركين في الحفل من طالبي اللجؤ السياسي في لبنان ؟

الأمر الثاني :

أن المعتدي عليهم من السودانيين , بعد أطلاق سراحهم من المعتقل في يوم الجمعة 18 يونيو2010 , بعد 12 يوما من الحبس التعسفي المذل , لم يولوا شطرهم قبل السفارة السودانية في بيروت , ويبلغوها بما حدث لهم . بل تجاهلوا السفارة السودانية تماما , وطرحوا قضيتهم امام وسائل الاعلام اللبنانية ؟

وأدعت السفارة , كذبأ , انها علمت بالموضوع من وسائل الاعلام اللبنانية ؟

الامر الثالث:

أن الموقوفين قد تم سجنهم لمدة 12 يومأ حسوما في أقبية وسراديب الامن العام اللبناني , من يوم الأحد 6 الي يوم الجمعة 18 يونيو 2010 ! وكل فرد من افراد الجالية السودانية في لبنان بل في سوريا والاردن كان يعرف تفاصيل التفاصيل لحادثة عصر الاحد 6 يونيو 2010 . وطبعأ السفارة السودانية في بيروت كانت تعرف , وبالتفاصيل الدقيقة , كل ما جري عصر يوم الاحد المشئوم , واسماء وهويات المقبوض عليهم في أقبية وسراديب الامن العام اللبناني ؟ ولكن لم تحرك السفارة السودانية ساكنأ , ولم تحاول تقصي الامر . بل علي العكس , كانت شامتة في المقبوض عليهم , ولسان حالها ينبح :

كيتن عليهم ! تاني تجوا الحولة ؟

تؤكد الامور الثلاثة اعلاه , الطلاق الباين وعدم الثقة , والجفوة , بل العداوة بين السودانيين المتواجدين في لبنان ( طالبي لجؤ سياسي وغيرهم ؟ ) , وطاقم السفارة السودانية الحالي ؟

وبالتالي تؤكد عدم الثقة , والعداوة المتبادلة تلك , أن طاقم السفارة الحالي , الذي يمشي مكبأ علي رأسه , قد فشل فشلا ذريعأ في مهمته الاساسية ؟ وعزل نفسه تماما عن الجالية السودانية في لبنان ؟

في هذه الحالة , ما جدوي الاستمرار في فتح سفارة سودانية في لبنان ؟ اذا كان السودانيون المتواجدون في لبنان يهربون من طاقمها , ولا يلجأون للسفارة عندما تحل بهم نائبة ؟

اللهم الأ اذا كانت مهمة السفارة الحصرية هي التجسس علي السودانيين المعارضين لنظام الأنقاذ , وتحريش قوي الامن العام اللبناني ضدهم ؟ ليذلهم وينكل بهم ؟


ملاحظات

تناول الكتاب الكرام التعليق علي حادثة الاوزاعي ! ولكنهم اغفلوا التعليق علي جانب مهم , بل الاهم في هذه الفضيحة ! وسوف نحاول تسليط الضؤ علي هذا الجانب الذي نعتبره الاهم في هذه الفضيحة.

Sunday, June 27, 2010

بيروت العار

فضيحة بيروت

الحلقة الاولي ( 1 -2 )

ثروت قاسم
Tharwat20042004@yahoo.com

الحدث

في يوم الاحد الموافق 6 يونيو 2010م , اقامت مجموعة من السودانيين المقيمين في بيروت ( بصفة شرعية وبصفات اخري ؟ ) حفلاً خيرياً في حي الاوزاعي في بيروت , لصالح طفل مصاب بالسرطان . كان عدد المشاركين في الحفل حوالي مائتين , من بينهم لبنانيين . وكان الحفل داخل صالة حفلات عامة مقفولة , وان كان الحفل مفتوحاً لكل من هبّ ودبّ من عباد الرحمن . لم يصدر عن الحفل اي ازعاج للامن العام , ولم يشتكي اي من قاطني الحي علي اقامة أو أزعاج صادر من الحفل , بل علي العكس شارك بعض اللبنانيين من سكان الحي في الحفل الخيري.

كان كل شئ يسير في سلاسة وهدؤ عصر ذلك الاحد المشؤم , وهو يوم عطلة رسمية في لبنان !
ثم فجأة اقتحمت الحفل قوة مدججة بالاسلحة والهراوات , من قوات الامن العام اللبناني .
لم تطلب القوة من المشاركين في الحفل اظهار الاذن الرسمي باقامة الحفل ؟

لم تطلب القوة من المشاركين اظهار هوياتهم لتفرق بين السودانيين المقيمين بصورة شرعية , والاخرين المتسللين الي لبنان بطرق غير شرعية ؟

لم يكن للقوة وقادتها من الضباط , اي وقت للاستفسار والسؤال , بل اقتحموا القاعة بعنف وهمجية , وبدأوا بضرب الحاضرين بالهراوات , عشوائياً , ضرباً مبرحاً , وبتشفي وحقد دفين ، مع شتائم عنصرية , وبصق علي وجوه المحتفلين .

قيدت القوة الذئبية كل المتواجدين في الصالة ( بخلاف اللبنانيين المشاركين ) , دون فرز , بالاصفاد والكلابيش من خلف ظهورهم , وتم اخراجهم من الصالة المقفولة الي الطريق العام , حيث امروا بالانبطاح علي بطونهم ارضاً ! وداس افراد القوة علي رؤوس , ورقاب المقيدين , وهم يبصقون علي مؤخرة روؤسهم , صارخين شاتمين , بعبارات عنصرية , تواري خجلاً من سماعها , اللبنانيون الذين تجمهروا في الشارع , ليشاهدوا الماساة ؟

وظن جميع المتجمهرين , وليس كل الظن اثم , ان السودانيين ربما كانوا يخططون لقلب نظام الحكم في لبنان .

بعد مسرحية الضرب والبصق والشتائم العنصرية , تم نقل الجميع , مقيدين بالاصفاد والكلابيش , الي جهاز الامن العام ! وهم بين مصدق ومكذب ؟

بل في ذهول تام ؟

تم حبس المعتدي عليهم من السودانيين في أقبية وسراديب رئاسة الأمن العام اللبناني لمدة 12 يوما , من يوم الاحد 6 الي يوم الجمعة 18 يونيو2010 ؟

وطيلة هذه المدة لم يتم أستجواب أي منهم , حتي حاملي الأقامات الشرعية منهم ؟ وعاني المحتجزون طيلة هذه المدة من الجوع والعطش ! واكثر معاناتهم كانت من عدم السماح لهم بقضاء الحاجة , الأ مرة واحدة في اليوم لكل واحد منهم ؟
كادت هذه الحادثة تمر من دون أن تستوقف أحداً , لولا أخطار بعض المحتجزين , فور الإفراج عنهم يوم الجمعة 18 يونيو 2010 , وكالات الانباء المحلية والدولية بما جري لهم ؟
وأعطي الحادثة بعدأ اضافيأ , وزخمأ أعلاميأ متزايدأ , تزامنها مع اليوم العالمي ل الاجئين ( هذه هي المرة الأولى التي يتم فيها الاحتفال بهذا اليوم في الشرق الأوسط ) , وزيارة المفوض السامي لشؤون اللاجئين أنطونيو غوتيريس لبيروت في نفس يوم تفجير وفضح الحادثة ... الجمعة 18 يونيو 2010 ؟

في يوم الجمعة الموافق 18 يونيو 2010 , تم اطلاق سراح من يحمل اقامة لبنانية سارية المفعول من المحبوسين ! وكأن شيئاً لم يحدث ؟ هكذا ؟؟

وتقرر ترحيل الباقين ( وهم من الدارفوريين طالبي اللجؤ السياسي في لبنان ) قسراً الي الخرطوم مباشرة .

هذا ملخص لما حدث يوم الاحد الموافق 6 يونيو 2010م , لمجموعة كريمة من السودانيين في منطقة الاوزاعي في بيروت ! ويمكن للقارئ الكريم الرجوع لمزيد من التفاصيل في مقالة الدكتورة نسرين مالك في جريدة القارديان البريطانية ( عدد الثلاثاء الموافق 22 يونيو 2010م) !

حيرة مكلبش دارفوري

يقول لك احد المقيدين بالاصفاد اللبنانية من أبناء دارفور , أن المولي عز وجل اوصاهم في الاية 97 من سورة النساء , أن يهاجروا في أرض الله الواسعة , بعدما أستضعفهم نظام الأنقاذ في ديار فور :

انَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنتُمْ ۖ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ ۚ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّـهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا ۚ فَأُولَـٰئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ ۖ وَسَاءَتْ مَصِيرًا .
﴿٩٧ – النساء ﴾

ولكنهم كانوا كالمستجير من الرمضاء بالنار , بل ابئس مصيرأ ؟

لم يستطع هذا المكلبش الدارفوري أستنكاه أبعاد وأسباب هذه الحادثة . غلبه الأمر وأعياه تماما . وكيف لا يعييه الأمر وقد صار شأن الوطن الى قومٍ مقحطين لا خلّ عندهم ولا ماء , او كما يقول المعلم ؟


السفير العينة

صرح سعادة سفير لبنان في الخرطوم بانه , وبتوجيه من الشيخ سعد الحريري رئيس الوزراء ( السني ) , والسيد نبيه بري رئيس المجلس الوطني ( الشيعي ) , ( لم يذكر سعادة السفير الرئيس ميتشيل سليمان رئيس الجمهورية , المسيحي ) سوف يتم القيام بتحقيق حول الحادث لمعرفة تفاصيله ومسبباته ومخرجاته ؟ واكد ان حكومته سوف تقدم اعتذار رسمي , اذا ثبت اي خطأ في الاجراءات ؟

اكتشف سفير لبنان في الخرطوم , بعد جهد جهيد , ان لبنان والسودان متشابهان في اللفظ , متعارضان في المساحة ؟ لبنان أصغر دولة متوسطية , والسودان أكبر دولة أفريقية ؟ لبنان خمسة حروف , سودان خمسة حروف ؟ هما عدد أصابع اليد ؟

ردت عنقالية في الانترنيت علي سعادة سفير لبنان احمد الشماط في الخرطوم مستعجبة :

واااا دقلوشتي يا ناس .... واااحلاتي ياناس ؟؟؟

واذا سمحنا لانفسنا بأن نهبط الي درك الهاوية الفكرية السحيقة , المتعلقة بمقارنة سعادة السفير بين حروف كلمة السودان وحروف كلمة لبنان , يمكن ان نذكر سعادته , لعل الذكري تفيد الغافلين , ان حروف السودان وحروف سوريا اقرب للتوأمة , كون كليهما يبدأ ويتميز بالسين والواو الضكر , الذى يكسبهما فحولة ورجولة , أو كما افتي بذلك هرم من أهرامات الفكر السوداني ؟

وحاول سعادة السفير اللبناني ان يبطبط علي اكتاف السودانيين الغلابة المساكين بأن أدعي بأنه لولا السواد السوداني , ما سطع النجم الأبيض اللبناني , ولولا السواد السوداني ما ظهر البدر الابيض اللبناني في السماء ؟ وأن سواد السودانيين يذكره بسكون الليل , وبكسوة الكعبة السوداء , وبالجلباب الاسود للراهب اللبناني , ونسي أن يقول بثياب الحداد التي يلبسها اللبنانيون ؟

أختزل سعادة السفير اللبناني السودان في لون بشرة أهله ؟

كان سفير لبنان في الخرطوم يؤمن بأنه يخاطب اطفالا في مرحلة الاساس , ويقنعهم بأن سوادهم مهم , لكي يظهر عظمة البياض اللبناني , فبالاضداد تظهر عظمة الأشياء ؟

لم يجد سعادة السفير شيئأ ذا بال في السودانيين للاشادة به , سوي لون بشرتهم الأسود ؟

لم يكحلها , بل عماها ؟

العلاقة بين لبنان والسودان ليس قضية لون بشرة ، تعتورها هترشات الدبلوماسيين العيال الرنانة , وتخدشها الطنطنة الدبلوماسية الجوفاء ؟ هذه العلاقة مسئولية لها استحقاقات ، من قام بالوفاء بها استحق أحترام الناس ، ومن تخلى عنها خسر ذلك الاحترام . وعليه فأن تصريحات السفير اللبناني في الخرطوم تظل كلامأ اطفاليأ ( وليس طفوليأ ) , وقعقعات إعلامية فارغة , لا تسكن وتهدئ وتطيب الخاطر , بل تهيج وتغيظ وتدمي القلوب ! تصريحات لا تعدو أن تكون قبض الريح ؟ شيك طائر لا يمكن صرفه في لبنان ؟ تصريحات هوائية لم ولن تترجم إلى واقع ملموس على الأرض في لبنان ، يراه السودانيون في لبنان ويحترمونه .

من لي بمن يذكر هذا السفير بأن الأمم الأخلاق , وليس الامم لون بشرة الجلد ؟

من لي بمن يذكر هذا السفير بان الكنداكة اماني السودانية المروية , 24 سنة قبل ميلاد المسيح , كانت أول من أستعمل الصرف الصحي في تاريخ البشرية ؟

من لي بمن يذكر هذا السفير بان الفرعون بعانخي السوداني أخضع بلاد مصر والشام ( بما في ذلك لبنان ) لحكمه من جبل البركل ؟

من لي بمن يذكر هذا السفير بان الامام المهدي , عليه السلام , كان أول من اذل الامبراطورية البريطانية التي كانت لا تغيب عنها الشمس ؟

من لي بمن يذكر هذا السفير بروائع التجاني يوسف بشير , وأبداعات كرومة , وعبقريات الطيب صالح , وتجليات السيد الأمام الفكرية ؟

من لي بمن يذكر هذا السفير بان هذا الشعب السوداني العظيم لا يتم الحكم عليه بمعيار لون البشرة , وانما بمعيار ما قدمه للانسانية منذ اربعة الاف سنة في دولة كرمة , اول تجمع سكاني عرفته البشرية ! الانسان السوداني في كرمة الذي كان اول من أستأنس البقر في التاريخ البشري قاطبة ؟

ولكن نستأهل نحن السودانيين الذين يحكمنا مبيد جماعي مطلوب من العدالة الدولية !

فلم لا يعظنا وينورنا علي أهمية سوادنا الذي يظهر عظمة البياض اللبناني امثال هذا السفير الفيلسوف ؟ الذي ظن أنه أتي بما لم تأتي به الاوائل ؟

ونختم فنقول بلغة سعادة السفير الجاهلة الجهولة :

أذا ما لبنان سام الناس خسفأ ... أبينا أن نقر الذل فينا

ألا لا يجهلنْ أحدٌ علينا ... فنجهلُ فوق جهل الجاهلينا

علي أثارنا سود حسان ... نحاذر أن تقسم أو تهونا

ونشرب أن وردنا الماء صفوا ... ويشرب غيرنا كدرا وطينا


سعادة السفير السوداني في لبنان

حاول سعادة السفير السوداني في لبنان , سعادة السيد إدريس سليمان أن يصب الماء علي نيران هذا الحادث البشع , الذي وصفه بالفردي والمعزول , بعد لقائه مع الشيخ سعد الحريري يوم الخميس الموافق 24 يونيو 2010 ! حاول سعادة السفير السوداني في لبنان ان يحشر الموضوع تحت البساط , حتي لا تنفجر تداعياته في وجهه , وتظهر الحقيقة المرة من أن سعادة القنصل العام السوداني في لبنان , سعادة السيد سمير باتوت , كان وراء أخطار الامن العام اللبناني بمكان وزمان الحفل الخيري السوداني ؟ وكان وراء تأليب قوي الأمن العام اللبناني ضد السودانيين طالبي اللجؤ السياسي في لبنان ؟

وأشد مرارة من ذلك , أن سعادة السفير السوداني في لبنان يدعي , جورأ وبهتانأ , ان الغرض من تضخيم هذه الحادثة ( البشعة في نظر الجميع , وبكل المقاييس ) , والفردية والمعزولة في تقدير سعادة السفير , هو رغبة هؤلاء المزايدين من طالبي اللجؤ السياسي من السودانيين في الحصول على حق اللجوء السياسي ؟

فتأمل ظلم ذوي القربي ؟

السفارة السودانية في بيروت

ثلاثة أمور يجب التوكيد عليهما وتعريتهما :

الامر الاول :

كما مذكور أعلاه , فأن سعادة القنصل العام السوداني في لبنان , سعادة السيد سمير باتوت , كان وراء أخطار الامن العام اللبناني بمكان وزمان الحفل الخيري السوداني ؟ وكان وراء تأليب قوي الأمن العام اللبناني ضد السودانيين المشاركين في الحفل من طالبي اللجؤ السياسي في لبنان ؟

الأمر الثاني :

أن المعتدي عليهم من السودانيين , بعد أطلاق سراحهم من المعتقل في يوم الجمعة 18 يونيو2010 , بعد 12 يوما من الحبس التعسفي المذل , لم يولوا شطرهم قبل السفارة السودانية في بيروت , ويبلغوها بما حدث لهم . بل تجاهلوا السفارة السودانية تماما , وطرحوا قضيتهم امام وسائل الاعلام اللبنانية ؟

وأدعت السفارة , كذبأ , انها علمت بالموضوع من وسائل الاعلام اللبنانية ؟

الامر الثالث:

أن الموقوفين قد تم سجنهم لمدة 12 يومأ حسوما في أقبية وسراديب الامن العام اللبناني , من يوم الأحد 6 الي يوم الجمعة 18 يونيو 2010 ! وكل فرد من افراد الجالية السودانية في لبنان بل في سوريا والاردن كان يعرف تفاصيل التفاصيل لحادثة عصر الاحد 6 يونيو 2010 . وطبعأ السفارة السودانية في بيروت كانت تعرف , وبالتفاصيل الدقيقة , كل ما جري عصر يوم الاحد المشئوم , واسماء وهويات المقبوض عليهم في أقبية وسراديب الامن العام اللبناني ؟ ولكن لم تحرك السفارة السودانية ساكنأ , ولم تحاول تقصي الامر . بل علي العكس , كانت شامتة في المقبوض عليهم , ولسان حالها ينبح :

كيتن عليهم ! تاني تجوا الحولة ؟

تؤكد الامور الثلاثة اعلاه , الطلاق الباين وعدم الثقة , والجفوة , بل العداوة بين السودانيين المتواجدين في لبنان ( طالبي لجؤ سياسي وغيرهم ؟ ) , وطاقم السفارة السودانية الحالي ؟

وبالتالي تؤكد عدم الثقة , والعداوة المتبادلة تلك , أن طاقم السفارة الحالي , الذي يمشي مكبأ علي رأسه , قد فشل فشلا ذريعأ في مهمته الاساسية ؟ وعزل نفسه تماما عن الجالية السودانية في لبنان ؟

في هذه الحالة , ما جدوي الاستمرار في فتح سفارة سودانية في لبنان ؟ اذا كان السودانيون المتواجدون في لبنان يهربون من طاقمها , ولا يلجأون للسفارة عندما تحل بهم نائبة ؟

اللهم الأ اذا كانت مهمة السفارة الحصرية هي التجسس علي السودانيين المعارضين لنظام الأنقاذ , وتحريش قوي الامن العام اللبناني ضدهم ؟ ليذلهم وينكل بهم ؟


ملاحظات

تناول الكتاب الكرام التعليق علي حادثة الاوزاعي ! ولكنهم اغفلوا التعليق علي جانب مهم , بل الاهم في هذه الفضيحة ! وسوف نحاول تسليط الضؤ علي هذا الجانب الذي نعتبره الاهم في هذه الفضيحة.

Thursday, June 24, 2010

المجتمع المدنى-و السياسى و الديمقراطية

بعض اشكاليات المجتمع المدني و المجتمع السياسى و الديمقراطية
على الصعيد المفاهيمي اعتبر غرامشي المجتمع المدني احد مكونات البنية الفوقية. ففي احد النصوص الهامة في دفاتر السجن كتب غرامشي قائلا : " ما نستطيع أن نفعله حتى هذه اللحظة، هو تثبيت مستويين فوقيين أساسيين، الاول يمكن أن يدعى المجتمع المدني، الذي هو مجموع التنظيمات التي تسمى (خاصة) والثاني هو المجتمع السياسي أو الدولة. هذان المستويان ينطويان من جهة اولى على وظيفة الهيمنة حيث إن الطبقة المسيطرة تمارس سيطرتها على المجتمع، ومن جهة ثانية تمارس الهيمنة المباشرة أو دور الحكم من خلال الدولة أو الحكومة الشرعية ". ويضيف في مكان أخر قائلا : " ينبغي الانتباه الى أن في مفهوم الدولة العام عناصر ينبغي ردها الى المجتمع المدني، إذ تعني الدولة : المجتمع السياسي + المجتمع المدني، أي الهيمنة المدرعة بالعنف " . ويضيف " لا ينبغي أن يفهم بكلمة دولة جهاز الحكم فحسب، بل جهاز الهيمنة الخاص أو المجتمع المدني " . الدولة، حسب رأي غرامشي، هي المجتمع السياسي (سلطة الدولة) زائدا المجتمع المدني (الحقل الايديولوجي أو الاجهزة الاعلامية والتربوية للدولة البرجوازية الحديثة). ومن جهة ثانية أدخل غرامشي قطيعة جديدة في المضمون الدلالي Semantic لمفهوم المجتمع المدني، بإعتباره فضاء للتنافس الايديولوجي. فإذا كان المجتمع السياسي حيزا للسيطرة بواسطة سلطة الدولة، فإن المجتمع المدني فضاء للهيمنة الثقافية الايديولوجية، ووظيفة الهيمنة Hegomony هي وظيفة توجيهية للسلطة الرمزية التي تمارس بواسطة التنظيمات التي تدعي أنها خاصة مثل النقابات والمدارس ودور العبادة والهيئات الثقافية المختلفة. تتبدى استقلالية الايديولوجيا في الهيمنة الثقافية باعتبارها رؤية للعالم لا تستمد قوتها وقدرتها من التغلب وفرض السلطة كما هو الامر في حالة السيطرة، ولا من عقلانية مفترضة أو منطق مجرد، بل من احتضان كتل المجتمع المتجانسة واقامة اللحمة بينها. هذه الهيمنة الثقافية التي لا تعرف مركزا ولا تأتي عن ألية موحدة، بل هي نشاط متعدد المراكز يقيم تجهيزاته وتنظيماته خارج الدولة، وفي فضاء المجتمع المدني تحديدا، في محاولة منها – الهيمنة – لاقامة سياسة للايديولوجيا يكون الهدف منها استعادة المجتمع المدني لحقه في ممارسة شرعيته والوصول الى سيادته على مكونات وجوده الخاصة. بهذا يكون غرامشي أول من استعمل مفهوم الهيمنة بمعنى القيادة، وايجاد سياسة ثقافية تهدف الى تنسيق وتوحيد مواقف الفئات والطبقات الاجتماعية كمقدمة لا بد منها لتحقيق السيادة، وذلك من خلال فاعلية الحزب " المثقف الجمعي " وقدرته على حشد وتعبئة كل اصحاب المصلحة في التغيير تحت قيادته، وذلك لأنه يحمل لواء الاصلاح والتغيير، ويسعى لنشر اليات هيمنته الثقافية والسياسية على كامل المجتمع. هكذا يرى غرامشي على غرار ابن خلدون ان المطاولة الثقافية هي أساس وشروط المطاولة السياسية. وطبعا لا يمكن فهم موقف غرامشي بإعطائه اهمية أساسية للمستوى الايديولوجي في البنية الاجتماعية – الاقتصادية من دون ربط ذلك بالظروف التاريخية التي كانت سائدة أنذاك في أوربا الغربية بفعل ابتعاد أفق الثورة الاجتماعية. فقد اعتقد غرامشي أن المشكلات " الثقافية " هي مشكلات ذات أهمية خاصة في مراحل تتلو النشاط الثوري، كما في أوربا 1815، ثم ثانية بعد عام 1921. ويقول إنه في مثل هذه الاوقات لا تكون هنالك معارك مباشرة بين الطبقات، ويتحول الصراع الطبقي الى " حرب مواقع "، وتصبح " الجبهة الثقافية " هي الميدان الرئيسي للنزاع . لقد حاول غرامشي أن يطرح موضوع المجتمع المدني في إطار نظرية السيطرة والهيمنة الطبقية ويستخدمه لإعادة بناء استراتيجية الثورة الشيوعية أو التحررية. وبالنسبة لغرامشي سواء أكان ذلك في كتابه " الأمير الحديث " أو " دفاتر السجن " هناك مجالان رئيسيان يضمنان استقرار سيطرة البرجوازية ونظامها. المجال الأول هو مجال الدولة وما تملكه من أجهزة، وفيه تتحقق السيطرة المباشرة، أي السياسية، والمجال الثاني هو مجال المجتمع المدني وما يمثله من أحزاب ونقابات وجمعيات ووسائل إعلام ومدارس ومساجد أو كنائس إلخ، وفيه تتحقق وظيفة ثانية لا بد منها لبقاء أي نظام هي الهيمنة الايديولوجية والثقافية. ولذلك لا يكفي للوصول إلى السلطة في نظر غرامشي والاحتفاظ بها السيطرة على جهاز الدولة ولكن لا بد من تحقيق الهيمنة على المجتمع، ولا يتم ذلك إلا من خلال منظمات المجتمع المدني وعبر العمل الثقافي بالدرجة الرئيسية. وفي هذا التحليل يبلور غرامشي للحزب الشيوعي الطامح إلى السيطرة استراتيجية جديدة تقول إن من الممكن البدء في معركة التغيير الاجتماعي المنشود، أي الشيوعي، من استراتيجية تركز على العمل على مستوى المجتمع المدني وتعبئة المثقفين لكسب معركة الهيمنة الايديولوجية التي ستلعب دورا كبيرا في مساعدة الحزب على عبور الخطوة الثانية وهي السيطرة على جهاز الدولة. ففي مقابل استراتيجية الانقلاب العسكري أو شبه العسكري يقترح غرامشي عملية التربية والتعبئة الشاملة للمجتمع، أي السيطرة التدريجية والفكرية على الأطر التي تنظم علاقاته اليومية. ففي منظور غرامشي المجتمع المدني هو المجال الذي تتجلى فيه وظيفة الهيمنة الاجتماعية مقابل المجتمع السياسي أو الدولة الذي تتجلى فيه وتتحقق وظيفة السيطرة أو القيادة السياسية المباشرة. ولأن الهيمنة مرتبطة بالايديولوجية فإن المثقفين هم أداتها. ومن هنا جاءت حاجة غرامشي لإعادة تعريف المثقف وتحليل دوره والرهان الكبير الذي وضعه عليه في التحويل الاجتماعي. لكن المراهنة على المجتمع المدني لم تلغ عند غرامشي دور الدولة ولا أهمية السيطرة عليها. فالعمل في إطار المجتمع المدني هو جزء من العمل في إطار الدولة وسياسة التحويل الدولوية. لذلك لا قيمة للمثقف عند غرامشي ولا ضمانة لفاعليته إلا إذا كان عضويا، أي إذا ارتبط بمشروع طبقة سياسي، تماما كما أن الهيمنة لا قيمة لها إلا كجزء أو مستوى من مستويات العمل لتحقيق السيطرة الاجتماعية. إنها ليست منافية للسياسة ولكن مكملة لها، وإن كانت متميزة عنها. فالمجتمع المدني والمجتمع السياسي أو الدولة يسيران جنبا إلى جنب ويجمع بينهما في كل نظام وحدة ديناميكية السيطرة الاجتماعية. إن قراءة اطروحات غرامشي بشأن المجتمع المدني ومقارنتها بأطروحات كل من هيغل وماركس تتيح القول بوجود اختلاف في مستويات النظر بالنسبة لماركس وهيغل من جهة وغرامشي من جهة ثانية. يرى هيغل وماركس في " المجتمع المدني " بمعنى المجتمع المدني لطبقات اجتماعية كما في مجتمع برجوازي، أي أن تفكيرهما ينصب على مفهوم المجتمع المدني بعلاقته بالبنية التحتية، أي القاعدة الاقتصادية، أي العلاقات الناشئة في هذا المجال/الحقل الاقتصادي. أما غرامشي فقدم مفهوم " المجتمع المدني " ضمن اشكالية سياسية وفكرية هامة هي " الهيمنة"، وحلل مفهوم المجتمع المدني في علاقته بالبنية الفوقية، وهذا هو عنصر الاختلاف، الذي نراه جوهريا وهاما. إن فكرة غرامشي عن المجتمع المدني انما لها معنى محدد في اطار فكره ذاته، أي أنه مجتمع مدني كمجال لتحقيق مشروع تاريخي معين. وبالتالي فإن هذا يعتبر امرا يتعدى الاشكال المحددة لمفاهيم طبيعة السلطة، عسفها، مقاومة عسف السلطة أو ما شابه. المجتمع المدني، بحسب غرامشي، يمثل مجموع العضويات أو الكيانات الخاصة التي تمكن المجتمع المدني من أن يعبر عن وظائف الهيمنة. ويعني ذلك أن غرامشي يريد، وبمساعدة مفهوم المجتمع المدني، أن يحدد مضمون الهيمنة السياسية والثقافية لطبقة اجتماعية محددة (أو إئتلاف طبقي) في عموم المجتمع. إن مفهوم الهيمنة مفهوم نظري يشير الى الطريقة التي يتم بواسطتها، إبراز مصالح المجتمع ككل، وكذلك طريقة تنظيم القبول الاجتماعي بهذا الاتجاه. الهيمنة، إذن، ذات علاقة بالمجتمع المدني في حين أن السيطرة (القسر) عائد للدولة، أي للمجتمع السياسي. يقول غرامشي : نستطيع الان أن نحدد مستويين رئيسين من البنى الفوقية – احدهما يمكن أن يعرف باسم " المجتمع المدني، وهو مجموع الاجهزة المعروفة عموما باسم " الحاضنة "، والثاني هو " المجتمع السياسي " أو الدولة. وهذان المستويان يقابلان وظيفة " الهيمنة " التي تمارسها الجماعة المسيطرة عبر المجتمع كله من جهة ووظيفة " السيطرة المباشرة " التي تمارسها الدولة. تبنى الهيمنة، كما يعاد انتاجها، ضمن شبكة من المؤسسات يسميها غرامشي بالمجتمع المدني تميزا لها عن الجانب القمعي للدولة. المجتمع المدني، إذن، هو تلك التنظيمات ذات الطابع غير الحكومي : النقابات، المدرسة، الاحزاب .... الخ، وهذه تنظيمات طوعية تفعل فعلها عن طريق الاقناع أي من خلال الايديولوجيا. وبخلاف هذه التنظيمات، تشكل مؤسسات الدولة : الادارات، الجيش، الشرطة، القضاء، ما يسمى بالمجتمع السياسي، الذي يفعل فعله عن طريق القهر (السيطرة). لابد أن يكون مفهوما، منعا لأي التباس، الاشارة الى أن المقارنة ما بين الثنائي الدولة/ المجتمع، أو استخدام ثنائي مشابهة كالقوة/القبول، لا يعني اننا نقصد التلميح الى أن هناك أجهزة دولة قمعية بشكل خالص، وان الباقي هو أجهزة ايديولوجية خالصة، ولا أن بالامكان تركيز الصراع الطبقي ضد الدولة بشكل رئيسي، في هذا الجانب أو ذاك. على العكس من ذلك يتعين التأكيد على حقيقة مهمة وهي أن لكل بنية دولة وظيفتها القمعية ووظيفتها الايديولوجية، إلا أن هناك بعض البنى التي تكون قمعية أكثر من غيرها، وبعض البنى التي تكون بالمقابل أكثر ايديولوجية من غيرها. المرحلة الرابعة لاستخدام مفهوم المجتمع المدني وتشمل العقدين الأخيرين من القرن العشرين والأن، التي شهدت اعادة اكتشافه من تراث غرامشي لكن بعد تنقيته من بعض القضايا التي كانت موضع سجالات ساخنة خلال المراحل السابقة، بحيث لا يحتفظ منه إلا بفكرة المنظمات والهيئات والمؤسسات الاجتماعية الخاصة التي تعمل إلى جانب الدولة لكن ليس تحت إمرتها على تنظيم المجتمع وتنشيطه وتحقيق الاتساق فيه. وبهذا المعنى فالمقصود بالمجتمع المدني كما يستخدم اليوم تلك الشبكة الواسعة من المنظمات التي طورتها المجتمعات الحديثة في تاريخها الطويل والتي ترفد عمل الدولة. وإذا شبهنا الدولة بالعمود الفقري فالمجتمع المدني هو كل تلك الخلايا التي تتكون منها الأعضاء والتي ليس للجسم الاجتماعي حياة من دونها. فليس هناك أي شكل من العداء بينهما ولا اختلاف في طبيعة الوظائف وإن كان هناك اختلاف في الأدوار. ومن المفيد التذكير هنا أن الاستخدام المعاصر لمفهوم المجتمع المدني قد مر هو نفسه بثلاث فترات رئيسية. الفترة الأولى هي فترة الانفتاح على المجتمع المدني من قبل الأحزاب والقوى والنظم السياسية بهدف ضخ دم جديد في السياسة وإضفاء طابع شعبي عليها بدأت تفقده مع بقرطتها وتقنرطتها. وقد تمثل ذلك بإدخال عناصر أو مسؤولين في حركات إنسانية وتنظيمات اجتماعية خيرية في التشكيلات الوزارية على سبيل تقريب السياسة من الفئات النشيطة في المجتمع ومن الجمهور الواسع الذي عف عنها في الوقت نفسه. أما الفترة الثانية فهي فترة التعامل مع المجتمع المدني بوصفه منظمات مستقلة موازية للدولة ومشاركة في تحقيق الكثير من المهام التي تهم هذه الأخيرة بالتراجع عنها. وهذا المفهوم يتوافق مع انتشار مفهوم العولمة والانتقال نحو مجتمع يحكم نفسه بنفسه ويتحمل هو ذاته مسؤولية إدارة معظم شؤونه الأساسية. وقد استخدمت " الدول الديمقراطية " مفهوم المجتمع المدني في هذه الحالة للتغطية على عجزها المتزايد عن الايفاء بالوعود التي كانت قد قطعتها عن نفسها وتبرير الانسحاب من ميادين نشاط بقيت لفترة طويلة مرتبطة بها لكنها أصبحت مكلفة، ولا يتفق الالتزام بالاستمرار في تلبيتها على حساب الدولة مع متطلبات المنافسة التجارية الكبيرة التي يبعثها الاندراج في سوق عالمية واحدة والتنافس على التخفيض الأقصى لتكاليف الانتاج. أما الفترة الثالثة فهي فترة طفرة المجتمع المدني إلى قطب قائم بذاته ومركز لقيادة وسلطة اجتماعية، على مستوى التنظيم العالمي بشكل خاص، في مواجهة القطب الذي تمثله الدولة-الدول المتآلفة في إطار سياسات العولمة والنازعة إلى الخضوع بشكل أكبر فأكبر في منطق عملها للحسابات التجارية والاقتصادية. وشيئا فشيئا يتكون في موازاة هذا القطب الدولوي والقيادة الرسمية للعالم، تآلف المنظمات غير الحكومية والاجتماعية التي تتصدى لهذه الحسابات الاقتصادية والتجارية من منطلق إعطاء الأولوية للحسابات الاجتماعية ولتأكيد قيم العدالة والمساواة بين الكتل البشرية. وفي هذه الحالة يطمح المجتمع المدني إلى أن يكون أداة نظرية لبلورة سياسة عالمية وبالتالي أيضا وطنية بديلة تستند إلى مجموعة من القيم والمعايير التي ينزع السوق الرأسمالي إلى تدميرها أو التجاوز عنها. لكن الأمر لم يلبث حتى تجاوز ذلك وجعل من المنظمات غير الحكومية، المحلية والدولية، فاعلا رئيسيا إلى جانب الحكومات في تسيير الشؤؤن الوطنية والعالمية. وقد تبلور مفهوم المنظمات غير الحكومية من خلال الوضعية القانونية التي كرستها لهذه المنظمات الأمم المتحدة، والدور النشيط الذي أصبحت توليه لها لحل العديد من المشكلات والتحديات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية. حتى ساد الاعتقاد اليوم أن هذه المنظمات هي الملجأ الوحيد في تنفيذ المشاريع الانسانية الخيرية وغير الخيرية في مواجهة عجز الدولة وشلل أجهزتها بسبب سيطرة البيرقراطية عليها. ومن الواضح أن الحالة ليست كذلك في البلاد النامية. فلا ينبع الحديث عن المجتمع المدني والدعوة لإعطاء المؤسسات الاجتماعية مسؤولياتها في العمل الاجتماعي من نضح الدولة ولا من تطويرها لفكرتها عن دورها الانجع في المساهمة في تطوير النظام الاجتماعي، ولا عن نضج المجتمع وتوسع دائرة العمل والمبادرة والتنظيم عند أفراده ونشوء جمعيات ومؤسسات أهلية قادرة على التدخل لمعالجة الكثير من القضايا والمشكلات الاجتماعية ولكن ربما بالعكس من ذلك تماما. إن منبع الحديث المتزايد عن المجتمع المدني هو انهيار الدولة وفقدانها لأي دور مركزي على الطريقة الكلاسيكية، أي بناء الأمة، وعجزها عن بلورة دور جديد لها يتماشى مع حاجات المجتمع الذي يتطور بمعزل عنها منذ فترة طويلة في تصوراته ومطالبه. كما هو تفكك المجتمع نفسه وافتقاره إلى أي مؤسسات تسمح له بممارسة دوره أو تأكيد وجوده في وجه السلطة المتحولة إلى سلطة أصحاب المصالح الخاصة وفي وجه الفوضى والدمار الذين يتهددان مصيره ومستقبله. الأن، وقد صار لدينا مجموعة من الاطروحات، على تنوعها، تسمح لنا بتعيين حدود المجتمع المدني من خلال تعريفه بأنه : عبارة عن مجموعة من المؤسسات التي تقع خارج شبكة سلطة الدولة تتيح للقوى الاجتماعية العاملة في مجالات الاقتصاد والحياة الثقافية والايديولوجيا والسياسة أن تنظم نفسها بشكل حر بحيث تستطيع أن تلعب دورها في التطور الاجتماعي. انه مفهوم يتجاوز مجرد التغيير السياسي كما يعتبر أن ضمان وجود وحرية تلك المؤسسات الاهلية، هو شرط أساسي لفعالية الديمقراطية السياسية نفسها إذا تابعنا التطور التاريخي للرأسمالية وكذا تطور مؤسسات المجتمع المدني نستطيع أن نقول أن تلك المؤسسات كانت ضرورية من أجل تكريس استقلالية المجال الاقتصادي والانشطة التي يتجلى من خلالها الاقتصاد الرأسمالي في مواجهة السلطة. لم تقف سيرورة التاريخ عند هذه اللحظة التاريخية الاولى في تكوين الرأسمالية بل تعرضت هذه السيرورة الى تطور متناقض نتج عنه تبلور طبقات اجتماعية جديدة، اضافة للطبقة الصاعدة أنذاك – البرجوازية -. هكذا نشأت البروليتاريا كطبقة جديدة وجرت تغيرات عاصفة في مضمون طبقات قديمة أخرى تجلّت في تحولها الى منتجين سلعيين صغار يخضعون لمنطق قوانين التشكيلة الرأسمالية. وبذلك تم بسط العلاقات السلعية الرأسمالية وهيمنتها واخضاعها كافة العلاقات الاخرى لمنطقها. هكذا، إذن، بدأت تتبلور مؤسسات أهلية تخرج عن إطار إدارة شؤون رأس المال، تبحث عن حلول وسطى بين فئات البرجوازية نفسها من أجل تكريس السلطة السياسية المشتركة لها. أدى تطور الرأسمالية الى تطور القطبين الرئيسين : البرجوازية والبروليتاريا، وقد ترتب على ذلك مجموعة من النتائج أهمها بروز البروليتاريا كقوة مستقلة، وكطرف رئيسي في الصراعات مع البرجوازية. وبدأت تنادي بنظام اجتماعي اخر، لا طبقي في الجوهر. وهكذا فرض ميزان القوى الجديد على النظام الرأسمالي ضرورة العمل وفقا لمبدأ التعددية الحزبية والانتخابات العامة. إن هذه الصيغة من الديمقراطية السياسية، التي كانت محصلة للصراع الدائر بين القطبين البرجوازية/البروليتاريا، وتنامي كفاح الاخيرة واشتداد عودها قد أدخل تناقضا جديدا في عمل القوانين الناظمة لاشتغال التشكل الراسمالي، ترتبت عليه نتائج بالغة الاهمية. أهم تلك النتائج يتجلى ببحث أطراف التناقض الاساسي عن مساومة تنتج حلا وسطا تاريخيا بين رأس المال والعمل. المبحث الثالث مفهوم المجتمع المدني العالمي بداية، لابد من الاشارة الى أن تعبير "المجتمع المدني العالمي"- برز مثله مثل تعبير "المجتمع المدني" ذاته- مجددا في سياق طائفة من الاوضاع على الصعيدين السياسي والفكري يمكن الاشارة الى أهمها : 1. التحولات التي شهدها العالم عشية انهيار انهيار الاتحاد السوفياتي والمعسكر الاشتراكي وما رافقه من تداعيات من اهمها انهيار نظام القطبية الثنائية واستحقاقاته. لقد دشنت المرحلة الجديدة في بداياته الامال بانحسار التهديدات التي رافقت نظام القطبية الثنائية وسباق التسلح والحروب الباردة ....الخ. وقادت الاوضاع الجديدة الى تنامي الدعوات، من مواقع فكرية مختلفة، بضرورة طرح تصورات وطرق جديدة لعلاج مشكلات " العالم الجديد " وتطوير بنياته. 2. ظاهرة العولمة وخطابها. ودون الدخول في تفاصيل اشكالية العولمة لأنها خارج هذه المساهمة، الا أنه يمكن القول بعدم وجود خطاب موحد حول هذه الظاهرة بل يلاحظ تنوع الخطابات المطروحة. وباختصار يمكن تمييز اتجاهين رئيسيين دون أن يعني ذلك اهمال اتجاهات اخرى لم تتبلور بصيغتها النهائية بسبب عدم تبلور الظاهرة ذاتها لأسباب معروفة. - الاتجاه الاول يرى في العولمة باعتبارها سيرورة تهدف الى مد نطاق السياسات والفعاليات التي قادت إلى الرخاء والسلام في " الغرب " أو " الشمال " إلى العالم كله، عبر طائفة من الاتفاقيات الدولية والتعديلات الهيكلية المحلية التي تطلق قوى السوق، وتدفع إلى تحسين الإنتاجية، والإفادة الأفضل من الموارد، وتشجع المزيد من التطور التكنولوجي، وتحسن من التنظيم الاجتماعي. - أما الاتجاه الثاني فيطرح بالمقابل عولمة مضادة تقوم على إدراك وترجمة المسئولية المباشرة للعالم المتطور عن اقتلاع الفقر، وذلك من خلال التوقف عن الاستغلال المالي لـ " العالم الثالث "، وتعويضه عن فترات الاستعمار والاستنزاف المتعاظم للثروات الطبيعية، وتصفية المديونية، والاعتراف بحاجة هذا" العالم " لانتهاج طرقه الخاصة بالتطور والنمو والتقدم الاقتصادي الاجتماعي، ومنحه معاملة تمييزية تنحاز لإطلاق قواه المنتجة، وتعفيه من منافسة يستحيل عليه مقابلتها، وتوفر له الموارد اللازمة لانطلاقه الاقتصادي والاجتماعي. وفي إطار التطلعات نفسها، طرح آخرون مشروع بناء وتطوير "المجتمع المدني العالمي " الذي توفر بالفعل عناصر حقيقية لنشأته ونموه. وبسبب اختلاف المرجعيات النظرية والتاريخية فإن النظرة الى " المجتمع المدني العالمي " تختلف كذلك. ويمكن أن نلاحظ هنا مقاربات مختلفة : المقاربة الاولى تقوم على اساس النظر الى" المجتمع المدني العالمي " باعتباره جزءً من تجليات مشروع العولمة، وباعتباره مستوى مواكبا للمستوى الاقتصادي لهذه الظاهرة. واذا دفعنا هذه المقاربة الى نهايتها المنطقية أمكننا أن نستنتج ان هذا الفهم ينطلق من التبشير الليبرالي الجديد بنظام سياسي جديد للبشرية. فالحركة الحرة لرءوس الأموال والتكنولوجيا، وأنماط التنظيم والإنتاج المشترك أو " المصنع العالمي " يخترق ويتعارض مع البنية القومية للتنظيم السياسي للعالم الموروث من القرن السابع عشر (بالنسبة لأوربا الغربية). ويحتاج الاقتصاد المعولم إلى بنية سياسية تناسبه، ربما تجسدت يوما من الأيام في حكومة عالمية. وحيث إن التنظيم القومي للعالم نشأ على قاعدة عملية بناء الأمة، فالحكومة العالمية يمكن أن تنشأ على قاعدة اجتماعية وبشرية عابرة للحدود القومية وهي "المجتمع المدني العالمي". أما المقاربة الثانية وهي مناقضة للمقاربة الاولى فتقوم على النظر الى المجتمع المدني العالمي باعتباره جزء من عملية أوسع، هي النضال المشترك من أجل العدالة الدولية والسلام العالمي. وبحسب هذه المقاربة يقوم المجتمع المدني بدور القاطرة لعملية التحويل الديمقراطي في الداخل عبر النضال الضروري لاستلهام ووضع إستراتيجيات ورؤى جديدة للتنمية والتطور. كما يقوم بدور الجسم الحي الذي يخوض النضال من أجل نشأة بيئة سياسية واقتصادية دولية مواكبة أو مناسبة للتنمية البشرية ذات الوجه الإنساني في العالم الثالث. وبحسب مؤيدي هذه المقاربة وانصارها، فقد تجسد هذا الواقع في احداث يوم 15 فبراير 2003 ، اذ تجلى " المجتمع المدني العالمي "، بأعظم معانيه ودلالاته، في المسيرات الحاشدة والمتزامنة في نحو 6000 مدينة، وأكثر من 70 دولة في العالم، لمناهضة الحرب الأمريكية المزمعة ضد العراق. وقد فرض هذا اليوم نفسه حتى على أكثر المتشككين في مفهوم " المجتمع المدني العالمي "، باعتباره يوما فريدا في تاريخ العالم، وظاهرة لا يضاهيها شيء في تاريخ البشرية أو واقعها الحديث. استنادا الى الملاحظات السابقة ينطرح السؤال الاساسي في موضوعنا هنا وهو : ما هو إذن المجتمع المدني العالمي؟ قد تتنوع التعاريف انطلاقا من الخلفيات والمرجعيات الفكرية والنظرية ولكننا نستطيع نفرز ابرز علائم المجتمع المدني العالمي انطلاقا من الركائز التالية : أولا: إنه بمثابة فضاء أو حقل للنشاطية أو الكفاحية المنطلقة من الإيمان بقيم عالمية، وبوحدة المصير البشري، على الأقل بالنسبة لموضوعات أو قضايا حاسمة مثل السلام والعدالة والتنمية والبيئة وحقوق الإنسان. ثانيا: كما يمكن النظر إليه أيضا باعتبار ذلك النسيج من الروابط الكفاحية التي تنشأ على قاعدة الإيمان بالمساواة والمسئولية المشتركة والحاجة إلى علاقات عالمية لا تقوم على التسلط أو القوة والامتياز. ثالثا: ومن حيث الفاعلين في المجتمع المدني العالمي، فيمكن القول أنهم أولئك الذين يمدّون نشاطهم في الدفاع عن قيم مدنية إلى الساحة العالمية، ويشملون الجمعيات والروابط والنقابات والهيئات المهنية والمجالس النيابية والمنتديات الفكرية والشبكات الاتصالية والهيئات الدينية، بغض النظر عما إذا كانت صلاحياتها قومية ذات امتداد عالمي أو عالمية بالأصل، هذا فضلا عن الجمهور العام المؤمن بهذه القيم والمرتبط بتلك التجمعات. ونظرا لأن مفهوم "المجتمع المدني العالمي" قد نما من رحم النشاطات والثقافة المدنية القومية، ثم أخذ يمد هذه النشاطات على مستوى عالمي، أو كمستوى نضالي عالمي يشتق طاقته وعناصره البشرية من مختلف القوميات، وينظم عمله عبر روابط واتحادات عالمية أو متعددة الجنسيات، أو عبر تقنيات الحركة الاجتماعية، فإنه لابد من التساؤل عن العناصر الاساسية التي جعلت ولادة المجتمع المدني العالمي ممكنة ؟ وفي مسعى الاجابة على هذا السؤال يمكن بلورة ثلاثة عناصر أساسية وهي: أ - الثقافة المدنية العالمية التي بدأت تتبلور منذ الحرب العالمية الثانية بفضل نخبة مدولة تكونت في طيف واسع من المنظمات الدولية الحكومية وغير الحكومية. ولعبت المنظمات المتخصصة للأمم المتحدة (منظمة اليونسكو، منظمات اخرى مثل الأغذية والزراعة والصحة العالمية)، وفى مجال التنمية والتجارة (منظمات مثل الأمم المتحدة للتنمية الفنية والأونكتاد) دورا مبدعا على الصعيد الفكري، وكذلك المجلس الاقتصادي والاجتماعي. أما فى مجال حقوق الإنسان والبيئة والمرأة والأقليات فقد نشأت منظومة كاملة داخل الأمم المتحدة بدءا من اللجنة العامة وصولا إلى اللجان التعاهدية، وهكذا. غير أن دور الأمم المتحدة كان بالضرورة مقيدا بطابعها الحكومي. كما أن النخب الفكرية ذات الأفق العالمي- بغض النظر عن أصلها القومي- لم تكن ذات قدرات تواصلية كبيرة مع شعوبها ذاتها، وهو ما حرمها من بناء نفوذ واسع في بلادها، أو على المستوى العالمي. ولذلك تدفقت أفكارها عبر قنوات حكومية دولية أو محلية. وبسبب تلك القيود وأوجه النقص نشأت أو نشطت أعداد مدهشة من المنظمات غير الحكومية العالمية أو متعددة الجنسية، بدءا من منظمات العلماء واتحادات المهنيين، مرورا بجمعيات الدفاع مثل "منظمة العفو الدولية"، وصولا إلى المنابر الفكرية متعددة الجنسيات في محاولة للقيام بدور جماهيري، أو يخاطب جماهير العالم وحكوماته. وفي واقع الحال فإن الجهد الأساسي الذي قامت به هذه المنظمات غير الحكومية لم يتعلق بإنشاء أهداف أو قيم مدنية، وإنما بترويجها بين أوساط شعبية مختلفة، والتعبئة المنظمة لها، والمطالبة بتحسين التشريعات وإحكام آليات العمل. وجاءت مرحلة ثالثة نمت فيها أدوار المثقفين والنشطاء من " العالم الثالث " على هامش المنظمات غير الحكومية الدولية في البداية، ثم عبر منظماتهم القومية أو الإقليمية الخاصة بهم. وحملت تلك الموجة الأخيرة قدرا كبيرا من التجديد الفكري والقدرات التنظيمية، ربما بحكم أصولها ونشأتها في صفوف حركات وأحزاب اليسار التي كانت تتعرض لتفكك واسع في مختلف بلاد " العالم الثالث "، وهو ما أتاحها للنضال المدني. ب- الأطر والأوعية الاتصالية الجديدة. وفي الوقت نفسه أتاحت تكنولوجيا المواصلات والاتصال العصرية فرصة تطوير قنوات وأوعية أخرى لتحل جزئيا محل الأحزاب التقليدية في الفضاء العام. فالأطر الجمعياتية ومجالس المدن والمقاطعات والأحياء والشبكات الاتصالية المكونة في الفضاء الإلكتروني وروابط الأصدقاء متعددي الجنسيات والاتحادات المهنية والمؤتمرات والمعسكرات الشبابية والعالمية والمنتديات الثقافية والفكرية والحركات الاجتماعية - صارت أكثر أهمية، ليس فقط من الأحزاب السياسية، بل ومن النقابات والحركات العمالية التقليدية. وتبين حصيلة التجربة أن تلك الأوعية صارت أكثر قدرة على استيعاب طاقات الأجيال الجديدة في أوربا وأمريكا الشمالية، وبدرجة أقل في " العالم الثالث، لأسباب عديدة: · فهي أنسب لأجيال أقل اهتماما بالأيديولوجيات وبالثقافة السياسية من آبائها، وأكثر تمتعا بالإنجازات العلمية والتكنولوجية والاقتصادية. · ثم إن تلك الأوعية أكثر قربا وتلامسا مع الواقع المعاش. · وهي أيضا أكثر ديمقراطية وأقل تراتيبية، ولا تستلزم انضباطا أو تدريبا حزبيا من النمط التقليدي للعمل في الفضاء العام.وهي فوق ذلك أكثر قابلية للإشباع النفسي بحكم سرعة إثمار العمل المدني المباشر. · ولا بد من الإشارة المركزة من جديد إلى أثر الفضاء الإلكتروني في التعارف وبناء الشبكات الثابتة والمتحركة والاتصال ونشر وترويج الشعارات والمواقف. ج- أما العامل الثالث الذي أسرع بإنضاج المجتمع المدني العالمي فهو العامل الاقتصادي. ويشمل هذا العامل جوانب مختلفة. فالتطور العام في التكوين الاقتصادي الحديث صار يتحيز كثيرا لصالح الأنشطة الخدمية ذات الدخل المرتفع ووقت العمل الأقل. وقد مكّن هذا التحول ملايين الناس من السفر والاحتكاك بثقافات أخرى، وكذلك بتخصيص وقت للفضاء العام دون الشعور بالملل، ودون حاجة لهذا المستوى من الحماسة التعصبية التي كانت تميز العمل السياسي في الماضي، وربما لا زالت تستلزمه في كثرة من بلاد العالم الثالث. والواقع أن التطور نفسه في طبيعة العمل في المجتمعات المتقدمة، وفي طبيعة أنشطة العمل صار يتحيز للسلام بين الشعوب. فلدينا بطبيعة الحال حالة الهجرة الدولية (130 مليون مواطن في أوربا الغربية وحدها). وبينما تثير تلك القضية مشكلات لا حد لها، فهي تفرض أيضا قدرا من حتمية التعايش، بما في ذلك الزواج وتكوين الأسر متعددة الجنسيات أو الخلفيات الثقافية. ومن ناحية أخرى فإن التطور المذهل في أنشطة السياحة الدولية يقوم على فكرة السلام المديد، ويتطلب قدرا عاليا من الاستقرار في البيئة الدولية، وينشر بذاته رواجا للثقافة المدنية. المجتمع المدني العالمي : تعدد التفسيرات جرت الاشارة في الملاحظات السابقة الى العوامل المباشرة وراء نشوء المجتمع المدني العالمي، ولكن السؤال المهم الاخر هو كيف نفهمه في اطار السياق العريض للعلاقات السياسية والاجتماعية على المستوى العالمي. هناك محاولات مختلفة لشرح وتفسير نشوء المجتمع المدني العالمي ومن بينها : 1. نظرية الاعتماد المتبادل التي سادت لفترة طويلة باعتبارها تمثل محاولة لشرح مقبول لنشوء المجتمع المدني العالمي. وتنبثق هذه النظرية عن (النموذج الأساسي) الوظيفي كبديل لشرح العلاقات الدولية في النظرية الكلاسيكية للعلاقات الدولية باعتبارها علاقات قوة. من هذا المنظور فالعالم يتطور تبعا لنبوءة المدرسة الوظيفية التي ترى أن الاقتصاد والروابط العالمية الجديدة تحتم تحرك النظام العالمي كنظام وظيفي في اتجاه بناء السلام بين الشعوب وتقليص أو إلغاء الحاجة إلى الحروب، حيث تتعلق مصالح الدول والشعوب بالتعاون والاعتماد المتبادل وتصير رفاهية كل شعب معتمدة على الشعوب الأخرى. ولكن تلك النظرة المتفائلة للعلاقات الدولية لا تشرح أو تفسر لنا مظاهر استعراض القوة والحروب الصغيرة والكبيرة. ولذلك حاول الوظيفيون الجدد أن يعدلوا هذا الإطار النظري لإدخال علاقات القوة إلى صلب النظرية، فأكدوا أن الاعتماد المتبادل نفسه ليس رفاهية وسلاما بحتا، وإنما هو أيضا علاقة قوة، إذ تختلف درجة حساسية كل اقتصاد نحو الآخر أو نحو الاقتصاد العالمي. فالعملات مثلا ليست بالقوة ذاتها، وتتأثر عملات معينة- أكثر من عملات أخرى- بالهزات في الاقتصاد العالمي. والأهم هو أن تعرُّض أو انكشاف اقتصاد ما للهزات أو لسلوك اقتصاديات أخرى ليس على الدرجة نفسها. وتستطيع دول معينة إحداث ضرر أكبر بالآخرين نظرا لانكشافهم بدرجة أكبر أمامها. وبهذا المعنى فهناك تبعية متبادلة ومصالح متشابكة بين الجماعات والشعوب، ولكن هناك أيضا فجوات وعلاقات قوة. ومن هذا المنظور أيضا فالعولمة ليست إلا تعبير خاص عن تمدد واتساع الاعتماد المتبادل وتطور العالم كنظام وظيفي جديد أو مختلف. والمجتمع المدني العالمي في هذا الشرح هو الجانب الاجتماعي من العولمة التي تتجلى بأشكال أخرى. ويصطدم هذا الشرح مع أحد أهم صور النضال أو دوافع أو "مهام" المجتمع المدني العالمي، وهو مناهضة العولمة بصيغتها النيوليبرالية. فأقوى مظاهر تحرك المجتمع المدني العالمي قبل مظاهرات ومسيرات السلام الحالية تجسد في المظاهرات الصاخبة ضد العولمة الرأسمالية، بدءا من "سياتل" و"نجازاكي" و"روما" حتى "واشنطن" خلال عام 2002. وتبدو حركة مناهضة العولمة كنموذج مثالي للحركات الاجتماعية العالمية التي تأخذ بألباب الأجيال الشابة في العالم. وهي في الوقت نفسه مظهر مميز لكفاحية المجتمع المدني العالمي. ولا شك أن هذا النضال ضد هذا النوع من العولمة ثم ضد التهديد بالحرب يفضح حقيقة أن العلاقات الدولية الرسمية لا تزال تقوم على القوة وعلى عدم التكافؤ في القوة، وخصوصا في ظل " نظام القطبية الاحادية " الراهن. 2. ومن جانبهم يشرح الماركسيون الجدد واليسار الجديد بصورة عامة منطق النضال ضد العولمة باعتباره شكلا خاصا من النضال الطبقي ضد الرأسمالية المعولمة. وبهذا المعنى، فالمجتمع المدني العالمي هو نوع من التحالف الأممي ضد الرأسمالية المعولمة في طورها الليبرالي الجديد. ويؤكد هذا الشرح أن القوى المدنية الجديدة التي تناضل ضد العولمة الاقتصادية تتخذ المنظمات والرموز الكبرى للعولمة الاقتصادية هدفا كبيرا لنضالها. وتدرك تلك القوى أن تصفية استغلال أو إهمال " العالم الثالث " هو بنفس الوقت كفاح من أجل مصالحها في الحصول على تعليم وخدمات صحية ورفاهية أفضل. وأن النضال ضد الحرب هو أيضا كفاح من أجل تحررها من الاستغلال الأشد المصاحب لصعود ما يسمى بالليبرالية الجديدة. 3. التفسير التكنولوجي. يشير البعض إلى السياق الذي انبثقت فيه عملية النضال ضد العولمة كثورة كونية ذات أبعاد متعددة وخاصة البعد المعرفي والتكنولوجي الاتصالي. في هذا الإطار قد يمكننا فهم نشوء المجتمع المدني العالمي وتبلوره أو نضوجه النسبي، كأحد تجليات الثورة التكنولوجية الراهنة، بما صاحبها من " فورة ثقافية " على المستوى الكوني. ويبدو أن العامل المحرك من وجهة النظر هذه هو سقوط "النماذج الأساسية الكبرى"، وبروز اهتمامات وتطلعات عالمية جديدة من ناحية ثانية. وبوسعنا أن نرى في هذه النظرية صياغة مستحدثة لفكرة "القرية الكونية" رغم التباس هذا المفهوم. وتعبر تلك الفكرة أساسا عن الضمير أو الوعي الليبرالي الذي بشر مبكرا بالنتائج الإيجابية للثورة الاتصالية من خلال يوتوبيا القرية الكونية. فالفكرة لا تقول بسقوط القوميات أو نهاية المرحلة القومية، ولكنها ترى وعيا جديدا يخرج من " شرنقة " الدولة القومية، ويتطلع لأنماط من التواصل والانتماء عابر للحدود القومية، بل وللحدود المرسومة بين الثقافات. فكأن " القرية الكونية " تتجاوز المفهوم الاتصالي الذي يلغي المسافات ويعكس بروز مواطنية جديدة عالمية أو كونية. ومنعا للالتباس، لابد من الاشارة الى ان هذه " القرية العالمية " ليست " مدينة فاضلة " تضمن المساواة بين الجميع بل انها في واقع الحال تحتوي على كل التناقضات الفعلية السائدة على الصعيد العالمي، بما في ذلك حالة الاستقطاب المعولم الذي يرافقه تراكم الفقر من جهة وتراكم الثروة من جهة اخرى. 4. وقد نجد تعبيرا خاصا عن تلك الظاهرة نفسها في نظرية أخرى تتفرع عن " نبوءة ما بعد الحداثة ". فثورة الوعي ضد "النماذج الأساسية" قد تنتهي إلى اضمحلال أو على الأقل خفوت الدولة القومية كإطار للفعاليات والنشاطات الاجتماعية. ومن هنا تبرز فكرة " ما بعد الحداثة " القائلة بما بعد الدولة القومية. وتعكس تلك الفكرة أيضا الثورة على النمط الكلاسيكي للسياسة أو ظهور منظور "ما بعد السياسة". فالسياسة التقليدية ركزت على "التدافع" والتنافس والتحزب، وخاصة في النسق الديمقراطي الغربي. بينما الممارسة التي تميز الأجيال الحالية تركز على الحاجة للتكافل والعمل المشترك والتحالفات الكبيرة العابرة للحدود بين الأيديولوجيات. 5. ويمكننا أن نشرح نشوء وتطور المجتمع المدني العالمي باعتباره "تمددا عالميا" لحركات اجتماعية أو سياسية غربية المنشأ أكثر منها "تحالفا" حقيقيا بين قطاعات وحركات اجتماعية متعددة الجنسيات. فالعناصر الأساسية اللازمة لنضوج المجتمع المدني العالمي تحققت في المجتمعات الغربية أو الصناعية المتقدمة أكثر مما تحققت في الأفق الكوني بذاته. ولكن هذا الشرح لا ينطلق من مفهوم المصلحة فحسب، بل من مفهوم الرؤية بصورة أكبر. لقد ثارت نضالات تاريخية كبرى انطلاقا من "رؤى" أكثر كثيرا من دافع المصلحة وخاصة إذا فهمنا هذا المصطلح الأخير من زاوية الطبقات وأنماط الإنتاج. فحركة السلام لم تكن تعبيرا عن مصالح طبقية أو اقتصادية مباشرة بل كانت تعبيرا عن رؤية مناهضة للحرب بذاتها ولما تسببه من آلام بشرية عميقة وواسعة النطاق. وكذا الامر بالنسبة لحركة حقوق الإنسان التي لم تكن تعبيرا عن دوافع طبقية أو سياسية مباشرة، بل كانت انعكاسا لالتزام فكري أو رؤية إنسانية عامة. المبحث الرابع الدولة – المجتمع السياسي/ بعض الاشكاليات المرتبطة بمضمون الدولة يسعى هذه المبحث لاعادة التفكير بطبيعة الدولة ومحاولة وضعها في مكانها الطبيعي ضمن التطور التاريخي الملموس. إن السبب في ذلك يكمن في الرد على بعض الاطروحات السائدة في فترات مختلفة حول حدوث قطيعة بين الدولة والمجتمع المدني. فحسب هذه الاطروحة تقدم لنا الدولة وكأنها فوق الطبقات الاجتماعية، أي تظهر كمحاولة للمصالحة بين الطبقات، أو باختصار شديد تقدم لنا " لابسة ثوب حيادها المبجل ". ولهذا فإن المطلوب انزالها من هذه العلياء ودراستها دراسة سليمة تكشف طبيعتها ووظائفها. فمن المعروف أن الرهان المكثف على الدولة، والتمركز من حولها، وتحويلها إلى مركز عبادة وتقديس منذ القرن التاسع عشر، في أوربا أولا ثم في جميع أنحاء العالم فيما بعد، قد نشأ بسبب الآمال والأوهام الكبيرة التي كانت تحيط بعمل هذه الدولة وقدراتها وإمكاناتها معا. فقد ساد الاعتقاد، منذ هيجل الذي نظر إلى الدولة القومية باعتبارها التعبير الأسمى عن وصول التاريخ إلى غاياته ومطابقة الوعي لذاته، حتى النظم الشمولية التي وجدت فيها الأداة المثلى للتحرر من جميع الإكراهات التاريخية والوصول بالمجتمعات إلى أعلى قمة في السيادة والتنمية والحرية. والعجيب في الأمر أن هذه الدولة التي بني ماركس نظريته في التحرر الانساني على فرضية تلاشيها الحتمي وإحلال إدارة الأشياء محل إدارة البشر (السياسة)، أي بمجتمع يقود شؤونه وينظمها بنفسه، سوف تصبح غاية في ذاتها في بعض النظم بقدر ما سوف تمثل إطار تنظيم " الطبقة " البيرقراطية الجديدة وأداة سيطرتها الرئيسية، وسوف تجعل من السياسة إدارة البشر بوصفهم أشياءا كما لم يحصل في أي حقبة أخرى. وبهدف الرد على هذه الأطروحات يتعين التأكيد على القضايا/ المبادئ التالية : · للدولة وظيفة سياسية شاملة تسعى من خلالها الى تحقيق ترابط مستويات الكل الإجتماعي وذلك بإعادة إنتاج التناقضات و " الأوضاع القائمة ". إذن يتعين عدم الاكتفاء بالفهم " التقليدي " للدولة – أداة قوة – بل على أنها "منظمة للهيمنة ". ويعني ذلك تعريف الدولة انطلاقا من دورها الإجتماعي والسياسي بالدرجة الأولى. الدولة، إذن، هي الهيئة المركزية التي يتعين عليها الحفاظ على وحدة وتماسك التشكيل الإجتماعي، والحفاض على الشروط الإجتماعية للإنتاج وبالتالي إعادة إنتاج الشروط الإجتماعية للإنتاج من دون " عوائق ". · يعني ذلك أن إعادة إنتاج هذه الأوضاع وتلك التناقضات يسير في اتجاه تحقيق مصالح الطبقة المسيطرة ( أو الائتلاف الطبقي المهيمن) داخل التشكيل الإجتماعي المحدد. · إن سلطة الدولة في المجتمعات الطبقية هي " لحظة " من التناقض الذي يعكس الصراع الطبقي السياسي وأطرافه ونتائجه. الدولة، إذن، على عكس ما يروج له ليست محايدة ولا حكماً بين القوى المتصارعة، كما تبدو ظاهرياً. وفي الواقع يجب النظر الى سلطة الدولة بكونها وحدة متناقضة. هذه الوحدة ممكنة، إذ أن أجهزة الدولة تمتلك تماسكاً داخليا خاصا بها ومستقلاً تجاه البنى الإقتصادية وكذلك تجاه الطبقات أو فئات الطبقة المسيطرة. هذه الملاحظة ضرورية إذ أنها تتحاشى جعل الدولة مجرد " شيء " أو " أداة " بيد القوى المسيطرة. · من الضروري في هذا المجال التذكير باستقلالية أجهزة الدولة ليست في استقلالها عن الطبقات المتصارعة، بل عن الفئات الطبقية المسيطرة. فاستقلال أجهزة الدولة لا يكون إلا في تبعيتها المباشرة للطبقة المسيطرة ككل. معنى هذا أن استقلالها النسبي يتيح لها ضبط تطور التناقضات الثانوية بين فئات الطبقة المسيطرة ومنعها من أن تنفجر بشكل يهدد علاقة السيطرة الطبقية نفسها حين تعجز فئة أو طبقة عن فرض هيمنتها الطبقية داخل الطبقة المسيطرة ( أو الائتلاف الطبقي). إن التدخل المباشر لأجهزة الدولة هو، إذن، لإنقاذ الوجود المسيطر للطبقة السائدة، بتحقيق الهيمنة الطبقية للفئة المهيمنة فيها، والتي تعجز، في ظروف تاريخية محددة، من فرض هيمنتها. في مثل هذه الظروف التاريخية يختفي الشكل " الديمقراطي " للممارسة السياسية للطبقة المسيطرة، ويبرز الشكل الدكتاتوري المباشر الذي يضمن المنطق نفسه لهذه الممارسة السياسية. فالعلاقة بين الديمقراطية والدكتاتورية هي إذن خاصة بالممارسة السياسية للطبقة المسيطرة. · للدولة وظيفة مركبة، أي أن لها أبعاداً أو مستويات إقتصادية، سياسية، إيديولوجية. ولإنجاز هذه الوظيفة المركبة يتعين انبثاق أجهزة الدولة ( المؤسسات والموظفين) والتي يناط بها إنجاز أهداف هذه الوظيفة الشاملة بمستوياتها المختلفة : - على المستوى الاقتصادي يتم التركيز على : أ. إعادة انتاج العلاقات الانتاجية، ب. إعادة انتاج قوة العمل، ج. إعادة انتاج تمايز الفرص بين الطبقات الاجتماعية. - على المستوى السياسي والايديولوجي يتم التركيز على : أ. إدارة الصراع لصالح حائزي سلطة الدولة، ب. إعادة إنتاج ايديولوجية حائزي السلطة واحتضانها، ج. تزيف وعي المبعدين عن حيازة السلطة. ثمة أبعاد جوهرية في أي بنية اجتماعية تكون أكثر أهمية من غيرها من الأبعاد، من حيث تأثيرها، وتحديدها لملامح وعمق وتوجه الصيرورة الإجتماعية لهذه البنية. تأتي أهميتها لهذه الصيرورة في أن طبيعتها، وأنماطها ومستوياتها وتوزيعها ذات علاقة مباشرة بمسائل الصراع الإجتماعي. من بين هذه الأبعاد الجوهرية هناك " بُعد السلطة السياسية ". إن الحديث عن السلطة السياسية في مستواها الأكثر تركيزاً هو حديث عن" الدولة " بوصفها التجسيد الرسمي للسلطة السياسية السائدة . ينطرح، إذن، وعلى الفور ذلك السؤال الحاسم : ما هي طبيعة العلاقة ما بين الطبقات الإجتماعية، المحددة أساساً وإعتباراً لموقعها ضمن البنية الإقتصادية، وما بين السلطة السياسية من خلال الدولة ؟ إن الإجابة على هذا السؤال تستحث ضرورة الحديث – ولو باختصار- عن مناهج دراسة السلطة السياسية. يعج الأدب السياسي الخاص بهذه الإشكالية بكثير من المناهج الساعية لتحديد طبيعة السلطة السياسية وبالتالي الإجابة على السؤال السابق. ومن الدخول في تفاصيل كثيرة نستطيع أن نفرز ثلاثة مناهج أساسية أكثر أهمية من غيرها في هذا المجال وهي : · المنهج الأول هو ذلك المنهج الذي يركز على السؤال المهم : من لديه السلطة ؟ ويمكن تسمية هذا المنهج بالمنهج الذاتي بمعنى أنه يسعى لتحديد الذات الممارِسة للسلطة. وضمن هذا المنهج هناك نقاشات ساخنة وجدل لا يتوقف ما بين منظري " التعددية " أو " نخبة السلطة " و " الطبقة الحاكمة ". · أما المنهج الثاني فهو ذلك المنهج الذي يتعامل مع هذه القضية بطريقة رجل الأعمال مركزاً على السؤال : ما الكمية ؟ بمعنى ماهي كمية السلطة ؟ وفي مسعى الإجابة على هذا السؤال يدعو هذا المنهج الى التشديد على السلطة كفعل power to do وليس السلطة على power over، والتشديد على تبادل السلطة وتراكمها وليس توزيعها. يعتمد التحليل السياسي من هذا الطراز على أحد الأشكال المختلفة للنظرية الإقتصادية الليبرالية. إن السلطة تدرس ضمن هذا المنهج من خلال الأفضليات، أو البدائل أو الخيارات الممكنة. · في حين أن المنهج الثالث، هو المنهج الماركسي، بتنوع تياراته ومداخله المختلفة. في مسعاه لإنتاج معرفة سليمة عن طبيعة السلطة السياسية لا ينطلق من " وجهة نظر اللاعب " بل من العملية الإجتماعية السابقة، أي عملية إعادة الإنتاج الإجتماعي. وبتكثيف يمكن صياغة السؤال الرئيسي لهذا المنهج كما يلي: ماهي طبيعة السلطة وكيف تتم ممارستها ؟ نقطة التركيز، إذن، في التحليل الذي يعتمده هذا المنهج، ليست الملكية ولا المالكين بحد ذاتهم، بل علاقات الإنتاج التاريخية المحددة، في ترابطها الوثيق بقوى الإنتاج من جهة وبالدولة ومنظومة الأفكار الإجتماعية السائدة في التشكيل الإجتماعي التاريخي الملموس من جهة ثانية. إن هذا المنهج ينظر الى الدولة بإعتبارها مؤسسة مادية محددة تتمركز عندها علاقات القوة ضمن المجتمع. إن الدولة، بحسب هذا المنهج، لا تمتلك سلطة بحد ذاتها، بل إنها " المؤسسة " التي تتجمع السلطة فيها وتمارس. يمكن الاستنتاج، إذن، بأن النقطة الأساسية التي يركز عليها هذا المنهج، ليست العلاقات الشخصية بين مختلف " النخب "، كما أنها ليست " عملية اتخاذ القرارات ذاتها "، بل هي تأثيرات الدولة على إنتاج وإعادة إنتاج معينة، سواء كانت هذه التأثيرات حقيقية أو مفترضة. يجب أن يكون واضحاً إن حلقة إعادة الإنتاج التي تربط الدولة، كأحد مكونات البناء الفوقي، بالقاعدة الإقتصادية هي حلقة تفاعل متبادل. فالقاعدة الإقتصادية تقرر البنية الفوقية السياسية عبر دخولها في عملية إنتاج سلطة الدولة وجهاز الدولة، لكن يتعين التأكيد على طبيعة العلاقة هذه. إن العلاقة بين أنماط الدولة وأساليب الإنتاج السائدة ليست علاقة ميكانيكية بسيطة بل هي علاقة مركبة ومعقدة في أن. إن هذا التعقيد هو نتاج تداخل المؤثرات الداخلية والخارجية وتفاعلها وانعكاسها على نمط الدولة والأشكال التي تتخذها، وعلى وجه الخصوص محتوى التراكم الإقتصادي وحجمه والتحولات الإجتماعية المرافقة له في منشأه وتحول الأنظمة السياسية وطبيعة السلطة ذاتها . ينطرح، إذن، سؤال أخر هو : كيف تؤثر الدولة وتدخل في عمليات إعادة الإنتاج الإجتماعي ؟ إن هذا يتقرر عبر : ماذا يتم فعله من خلال الدولة ؟ وعبر ذلك : كيف يتم ذلك من خلال الدولة ؟ عندما يجري الحديث عن طبقة ما تمسك بزمام السلطة، فإن المقصود بذلك أن ما يتم فعله من خلال الدولة، يؤثر إيجابياً على إعادة إنتاج نمط الإنتاج الذي تكون الطبقة المقصودة هي ممثلته السائدة. غير أنه ينبغي التحذير هنا من إساءة تفسير التعابير الشائعة من قبيل " أخذ " و " الإمساك " بسلطة الدولة، على أنها تعني أن سلطة الدولة هي شيء يمكن لمسه باليد. إن هذه القضية هي أبعد وأعقد من ذلك بكثير. فهي، بالأحرى، عبارة عن عملية تدخلات في مجتمع معين من قبل " مؤسسة منفصلة " هي الدولة، تتركز لديها الوظائف العليا في المجتمع والمتمثلة في : وضع القانون، تطبيق القانون، تعديله، فرضه والدفاع عنه " عند الضرورة ". ولهذا فإن " أخذ " سلطة الدولة و " الإمساك " بها يعني بدء نمط معين من التدخل من قبل " هيئة خاصة " مخولة للقيام بتلك الوظائف . غير أن الملاحظة السابقة، على أهميتها، لا تكفي بل يتعين الإشارة الى ثلاث قضايا أخرى هامة وهي : · الأولى : إن الدولة، في بنيتها، ليست واقعاً جامداً، بل يحتمل شكل الدولة تغيرات متنوعة، هي نتاج ورهان الصراع السياسي. وقد تكون تلك التغيرات في بعض الأحيان " راديكالية ". ولا تستخدم الطبقة المسيطرة الدولة كما لو أنها علاقة تصرف حر إرادي تجاهها بل أن هذه الطبقة تتشكل ويعاد إنتاجها بفضل التغيرات الحاصلة في الدولة كآلة. وإذا لم يكن مفهوم " آلة الدولة " قد أُعلن رسمياً، فهو حاضر عملياً على الدوام.· الثانية : تتضمن السلطة السياسية لطبقة ما والتي هي نتاج وشرط لسيادتها الإقتصادية، سلطة فعلية للممثلي هذه الطبقة على جهاز الدولة. ولأن هؤلاء الممثلين هم أنفسهم دوماً أعضاء في " شريحة " محددة من الطبقة المسيطرة فإنه يمكن للسلطة السياسية أن تكون رهاناً للصراع فيما بين هذه الشرائح. ومنعاً لأي التباس منهجي يجب عدم خلط السلطة الفعلية الخاصة بالماسكين بآلة الدولة مع سلطة الدولة المنظمة قانونياً على المجتمع، ذلك لأن هذه الأخيرة هي التي تؤول الى تحقيق السلطة الفعلية. ومع أن الدور الذي تحتله التناقضات الداخلية بين الشرائح المختلفة للطبقة المسيطرة وصراعاتها الداخلية لاحتلال مراكز القوة هو دور ثانوي بالنسبة للتناقض الرئيسي إلا أنه ما يزال هاماً. إن التجليات لمختلفة التي تتخذها الدولة وأشكالها ترتبط بتبديل مراكز القوة بين شرائح الطبقة المسيطرة. غير أنه يتعين التأكيد على أن السيطرة الإقتصادية والهيمنة السياسية لا تكونان متماثلين بشكل ميكانيكي. إذ يمكن لإحدى شرائح الطبقة المسيطرة أن تلعب الدور المسيطر في الإقتصاد ولكن من دون أن تحظى بالهيمنة السياسية، والتاريخ شاهد لا يجامل. · الثالثة : تحقق آلة الدولة علاقة طبقية تنعقد في مكان أخر، في الميدان الإقتصادي. غير أن الميكانيزم الذي يحقق هذه العلاقة إنما يحققها وهو يعمل على إخفائها ! إن عمل الدولة الأخير الذي يتكون بفعل وجودها وتحولها الخاصين بها، هو تكوين المجتمع والدولة نفسها في مواجهة أحدهما للأخر. يكمن عملها في تحقيق هذه المعارضة التي هي، في الوقت نفسه، تبعية وتوحيد، وهي تجعل سيطرة المصالح المهيمنة ممكنة بفضل تحقيقها من خلال تغليف المجتمع المدني الذي تحققه بمثابة دولة. هكذا يسمح اشتغالها، إذن، بممارسة السلطة من قبل الممثلين " الشرعيين " الذين جرى تكوينهم لإنجاز هذه المهمة ولاحتلال موقع ممثلي المجتمع، الموقع الذي أكتسب شرعيته أولاً وتم إخفائها . لا تعني الملاحظات السابقة أن الدولة طاقم مفكك الأقسام والمستويات كتفسير لتقاسم السلطة السياسية بين طبقات وشرائح متعددة، بل أن الأمر هو غير ذلك تماماً. إذ فوق التناقضات ضمن أجهزة الدولة المختلفة وخلفها، تحمل الدولة دائماً وحدة داخلية متميزة، هي وحدة سلطة الطبقة المسيطرة أو الفئة المهيمنة، غير أن هذا يحدث بشكل معقد وليس بصيغة مباشرة، بل عبر توسطات. إن إعادة إنتاج مجتمع محدد تبين أن إعادة إنتاج نمط أداء وظيفة كعملية اجتماعية مستمرة، لا تتوقف، يتم من خلالها إنتاج السلع وتوزيعها ولاستهلاكها، وكذلك إعلان الأوامر وتطبيقها، علاوة على استعراض العنف أو ممارسته " عند الضرورة "، وكذلك معايشة الأفكار ووضعها موضع التطبيق الفعلي. ونظراً لأن أي نشاط إنساني لابد أن يكون له هدف محدد فإن لإعادة الإنتاج هدفين هما : المواقع في بنية اجتماعية معينة، وكذلك الأشخاص اللازمين لتشغيلها . ونستطيع، إذن، أن نقول بأن إعادة الإنتاج الموسع للطبقات الإجتماعية ( للعلاقات الإجتماعية) يستلزم عمليتين لا يمكن تواجد أحدهما بمعزل عن الأخرى : · أولاً : ثمة إعادة إنتاج موسعة للمراكز التي يحتلها الوسطاء، وتجلو هذه المراكز التحديد البنيوي للطبقات، أي الطريقة التي من خلالها يعمل التحديد المذكور على ضوء البنية ( علاقات الإنتاج ، علاقات السيطرة/الخضوع السياسية والإيديولوجية) في الممارسة الطبقية. · ثانياً : هناك إعادة إنتاج للوسطاء أنفسهم وتوزيعهم على هذه المراكز. إن الوسطاء سيعاد إنتاجهم " تدريبهم على الإذعان " لكي يحتلوا مراكز معينة، ولهذا فإن توزيعهم لا يعتمد على
الزواج الكاثوليكي بين المثقف والسلطة، استبعاد العامة:
ثمّة اعتقاد دوغمائيّ عند الفصيل الأكبر من المثقّفين باستحالة التغيير دون مساندة السلطة. أقول اعتقاد "دوغمائي"؛ لأنه نتيجة تراكم تراث طويل ممتدّ من تقسيم الناس إلى "خاصّة" و"عامّة"، حيث لا يسمح بتداول المعرفة "الحقّة" إلا بين "الخاصة"، بينما يترك العامة لعقائدهم وتصوّراتهم المريحة. يكفي للتدليل على هذه الحقيقة التاريخية ما كان يدور داخل قصور "الموحّدين" في الأندلس من نقاش فلسفيّ حول حدوث العالم وقدمه، بينما لا يسمح، خارج أسوار القصر، إلا باتباع العقائد القائمة على أساس الفهم الحرفي للنصوص الدينية.
في هذا التصنيف التمييزيّ بين البشر، يتّفق كلّ من "أبي حامد الغزالي" و"ابن رشد"، رغم البون الشاسع بينهما في مواقفهما اللاهوتية والفلسفية. إنّ كثيرا من المثقّفين المعاصرين يؤمنون أنّ ثمّة قضايا ومسائل لا يجب أن تناقش إلا داخل الأكاديميات، حفاظا على عدم المساس بعقائد العامّة، وهذا هو نفس المنطق القديم. مفهوم "الخاصة"، في الفكر المعاصر، يتسع ليشمل المفكّرين والمبدعين ورجال السياسية، وفي عصر الليبرالية الاقتصادية يشمل "رجال الأعمال". كلّ هذه التمييزات والتصنيفات، في جوهرها، قيود تنتمي إلى عصور مضت، لكنها ما تزال سائدة للأسف الشديد في عصر انتشار التعليم، والثورة التكنولوجية في مجال الاتصال: عصر السماوات المفتوحة والإنترنت. والأهم من ذلك عصر "ديمقراطية المعرفة".
يجب أن يتمكن المثقف من إنتاج خطاب لا يضع السلطة في بؤرته سلبا ولا إيجابا. وليست هذه دعوة للتوقّف عن نقد السلطة، بكلّ تجلياتها الاجتماعية، والسياسية، والثقافية: أعني عدم اختصار مفهوم "السلطة" في نظام الحكم. بعض المثقفين يؤمن أنّ التغيير لا يأتي ولا يتحقّق إلا من أعلى، بينما أتصوّر أنّ التغيير الدائم لا بدّ أن يأتي من القواعد لا من القمم. تستطيع السلطة تغيير القوانين، لكنّ هذه القوانين تظلّ فاقدة الأثر ما لم تتغيّر الأذهان.
يجب على المثقف أن يحتفظ لنفسه بمسافة خارج مفاهيم السلطة، حتى لو كان النظام السياسيّ يتبنّى بعض المفاهيم التي يتبنّاها المثقف. هذه المسافة تسمح للمثقف بالاستقلال الفكري الذي يحميه من أن يقوم بتبرير القرارات السياسية أو الدفاع عنها. الاستقلال عن السلطة لا يعني معاداتها، بل يهدف إلى ترشيدها؛ فالسياسة هي فنّ تحقيق الممكن، والفكر سعي لاكتشاف المجهول وفتح آفاق الممكن. المثقّف الغربي متحرّر من تلك القيود الكلاسيكية، التي تصنّف الناس إلى خاصة وعامّة، هذا من جهة. ومن جهة أخرى، يسمح واقع المجتمعات الغربية – التي تأسست فيها الديمقراطية على أساس حرية الفرد – بتداول الأفكار، ليس فقط خارج إطار سيطرة السلطة – أي سلطة اجتماعية أو سياسية أو دينية – بل ضدّ هذه السلطة تحديدا. منطقة "المحرّم" و"اللا مفكر فيه" تتّسع في ثقافتنا، بينما تضيق إلى أقصى حدّ في الثقافات الغربية. من أقدس المقدّسات في هذه المجتمعات: حقّ حرية الرأي، وحقّ حرية التعبير. ولهذا لا تفهم شعوبنا – وبعض مثقفينا للأسف الشديد مرة أخرى – عدم قدرة الحكومات في هذه المجتمعات الغربية على كبح جماح الأصوات المتطرفة ضدّ الإسلام هنا وهناك. إنهم يطالبون الحكومات بالحظر والمنع قياسا على ما ترتكبه السلطة – بالمعنى الواسع لكلمة السلطة، أو فلنقل السلطات – من حماقات ضدّ حرية الفكر والتعبير باسم "الحفاظ على الثوابت". وهو مفهوم مضلّل ربما نناقشه في مقالة مستقلة. المشكلة في تحالف المثقف مع السلطة في عالمنا أنّ السلطة تعتمد في تأسيس مشروعيتها على الماضي، بينما يجب أن تستمدّ السلطة – أيّ سلطة – مشروعيتها من الحاضر الحيّ، وليس من الماضي الميّت. أقصد بالحاضر الحيّ: الحاضر المتواصل مع الماضي تواصلا ديناميكيا نقديا خلاقا. الحاضر، الذي يعيد إنتاج الماضي بالترديد والتكرار، يفسح المجال لقيام ديكتاتوريات قمعية تسلطية.
دين السلطة وسلطة الدين:
انظر حولك في إيديولوجيا السلطات السياسية، المتمثلة في الألقاب والأسماء التي يحملها الحكام، بل وأسماء بعض الدول. هذا فضلا عن الدساتير – إن وجدت – التي تصر على احتكار السلطة للمعنى الديني، حين تقرر أن للدولة – في مجتمعات حديثة متعددة الأديان، بل ومتعددة الانتماءات المذهبية داخل نفس الدين – دينا. تتضمن معظم هذه الدساتير مادة: "الإسلام دين الدولة الرسمي، والشريعة الإسلامية هي المصدر الأساسي – أحيانا أحد مصادر – للتشريع".
الدولة ذات الدين تحتاج لسلطة دينية تحدّد معنى هذا الدين، وتحتاج لسلطة سياسية تحمي هذا الدين. وتستقطب هذه السلطات – بالجزرة أو بالعصا – فصائل من المثقفين والمفكرين الذين لا يملون التصدّي للدفاع عن "ثوابت" – دينية ووطنية وقومية وثقافية، في الأعراف والتقاليد الأخلاقية والعائلية - ضدّ التغيير والتطور. باختصار يصبح الدفاع عن هذه الثوابت/الأقانيم دفاعا عن كلّ الأوضاع الراهنة، والسماح ببعض مظاهر التجميل الخارجية في المباني والشوارع.
كلّ هذا التجمّد يؤثّر بشكل أو بآخر علي ذهنية المسلمين، الذين يعيشون في الغرب، والذين تتزايد عند أغلبهم سيكولوجية الخوف من فقدان الهوية، التي انحسرت أخيرا في الهوية الدينية، نتيجة الأسباب المذكورة. يضاف إلى ذلك التحوّل الذي أحدثته مأساة الحادي عشر من سبتمبر، وما تبعها من تفجيرات في مدريد ولندن، بالإضافة إلى مقتل المخرج الهولندي فان جوخ على يد شابّ من أصول مغربية، في تدشين العلاقة بين الإرهاب والإسلام، الأمر الذي خلق حالة الإسلاموفوبيا في الغرب. وهكذا أصبحت العلاقة بين المسلمين في الغرب وبين مواطنيهم علاقة توتّر وتوجّس وشكّ متبادل.
زاد من تعقد الأمر مسألة "حرية التفكير والتعبير" التي لا تُساوم في الوعي الغربي، والتي أدت إلى ازدياد الاحتقان المعادي للغرب في العالم الإسلامي: الكارتون الدانمركي، وتصريحات بابا الفاتيكان، وأفلام اليميني الهولندي فيلدرز، وأخيرا مسألة "المآذن" في سويسرا، مجرد أمثلة. المسألة ليست بالضبط مكانة الإسلام في الغرب، فثمّ دعوات الآن، هنا وهناك، للسماح للمسلمين بالاحتكام إلى الشريعة في شئون الأسرة، بل هي العلاقة بين المسلمين وبين مواطنيهم غير المسلمين في بلاد الغرب. المشكلة هي التي يطلق عليها الساسة ورجال القانون اسم "مشكلة الاندماج" ويتناولها المفكرون والمثقفون من مداخل مختلفة، مثل "التعدد الثقافي"، "النسبية الثقافية"، مفهوم "المواطنة" في الدولة الحديثة المتعددة الأعراق والثقافات والأديان .. الخ
مشروع الإصلاح الدينيّ المؤجل:
هل توقّف المشروع الإصلاحيّ التنويريّ – أتردّد في استخدام كلمة تنوير بسبب ما علق بها كما يعلق بكثير مثلها من حمولات إيديولوجية – الذي بدأ في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين؟ نحن مغرمون بالبكاء على الماضي، فقط حين يصبح ماضيا. هذا المشروع الإصلاحي الماضي كان ملعونا في زمنه: محمد عبده كان مرفوضا، وما يزال، من المؤسسة التي حاول إصلاحها ففشل. قاسم أمين: تجهّم له "سعد زغلول" الزعيم السياسي، و"طلعت حرب" الرائد الاقتصادي، فضلا عن الخديوي. الطهطاوي، قبلهما، تم نفيه إلى السودان. قصة طه حسين وعلي عبد الرازق ثم خالد محمد خالد ولويس عوض قصص معروفة، لكن ما حدث لمحمد أحمد خلف الله بسبب رسالته لنيل درجة الدكتوراه عن "الفنّ القصصي في القرآن" بإشراف أمين الخولي عام 1947 غير معروف، وقصة "أبو زيد الأول" الذي رفعت ضده دعوى تفريق في محكمة دمنهور عام 1917-1918 بسبب قوله إنّ القول بنبوّة أدم، أي أنّ آدم كان أوّل الأنبياء، يعتمد على أدلّة ظنّية وليس على أدلّة قطعية. رفع عليه البعض دعوى ردّة مطالبين بالتفريق بينه وبين زوجته أمام محكمة دمنهور الابتدائية التي حكمت بالردّة والتفريق. لكنّ محكمة الاستئناف بالإسكندرية ألغت الحكم، والقصة بتفاصيلها المثيرة يمكن قراءتها في مجلة "المنار" العدد ا. هناك قصص أخرى وقعت خارج مصر يمكن أن تضاف: ما حدث للحدّاد في تونس وما حدث لمحمود محمد طه في السودان. ليس صحيحا إذن أنّ التنوير تحقّق ثم انطفأ؛ ذلك أنه لم يغادر حدود العواصم فأمكن حصاره وقتله. غدا أتوقّع أن يبكي أخلافنا علينا بعد أن نمضي. المشروع لم يتوقّف ولكنّ محاولات حصاره وخنقه تتزايد بسبب هذا الزواج الكاثوليكي بين المثقف والسلطة.
التنوير نجح في الغرب بسبب استقلال المثقف، واستقلال الفكر، عن أن يدور في فلك أيّ سلطة. التنوير في عمقه هو تحرير العقول من كلّ السلطات، سياسية واجتماعية ودينية. وليس معنى تحرير العقل تدمير هذه السلطات، بل تحجيم مجال تأثيرها. من هنا ارتبط التنوير في تطوره بإبداع سلطات موازية لتحجيم تغول السلطة السياسية، مثل السلطة الرقابية والتشريعية – النابعة من ممثلي الشعب عبر تطوير آليات الديمقراطية - والسلطة القضائية المستقلة والسلطة الرابعة، سلطة الرأي العامّ المتمثل في الصحافة والإعلام المستقلين، وهي أهمّها. من هنا إقرار مبدأ "الفصل بين السلطات". كلّ هذا لم يتحقق في مجتمعاتنا، ما زالت السلطة السياسية تتغوّل على باقي السلطات، وأحيانا تحوّلها إلى مجرّد أبنية وهياكل وظيفية. الصحافة والإعلام في قبضة الأنظمة السياسية، أو في قبضة المال الذي أصبح جزءا جوهريا من السلطة. المال في العالم العربي ليس نتاج العمل، بل هو إما نتاج ركاز الأرض –البترول- أو نتاج السمسرة. كل ذلك يكشف عن بعض أسباب الخلل في البنى التي يمثل التنوير تهديدا لاستمرارها، فلا تبخل بأي جهد يقتله، أو يخنقه، أو يحاصره وهذا أضعف الإيمان في ظل العولمة التي تكشف عن بعد كل الأسرار.
التواصل مع العامة، كيف؟:
والسؤال الآن: كيف يتواصل المثقف بخطابه مع دائرة أوسع من الجمهور؟ وكيف ينتج خطابا عميقا ومفهوما في نفس الوقت؟ ليس عندي وصفة جاهزة لحلّ هذا المعضل، الذي أعتبره تحدّيا حقيقيّا لكل مثقّف في مجتمعات العالم الثالث، حيث "التعليم" في أزمة عضال. المسألة ليست إنتاج خطاب شعبوي، يطبطب على عواطف وغرائز الجماهير. يقوم الإعلام بتحقيق ذلك بنجاح ساحق: أعني يسحق سحقا كل خطابات المثقفين. المطلوب خطاب نقدي يحترم عواطف الناس ومشاعرهم، دون أن يزايد عليها. من المؤكّد أنّ ما لا تصنعه الشعوب لا يستقرّ في وجدانها الثقافي. وما حدث من تشويه للحداثة وابتسار لقيمها في عملية "التحديث" في العالم العربي لم تقترفه الشعوب، بل اقترفته السلطة التحديثية، بمعاونة مثقف حداثي ظل يراوح مكانه بين التراث والحداثة، دون أن ينتج وعيا علميا بأيّ منهما. لا يمكن تحقيق حداثة علوية – من أعلى – مع المحافظة على البنى التقليدية تحت أيّ مسمّى.
سيكولوجيا السياسة- عبد الكريم ناصيف- جريدة الاسبوع الادبي 1 علم السياسة: مذ نشأت المجتمعات البشرية نشأت السياسة، ذلك أن السياسة هي فن إدارة المجتمع الذي يتخذ شكلاً أو وحدة سياسية ندعوها الدولة. لقد عني المفكرون والباحثون منذ القدم بمسألة الدولة والسياسة والسياسي، نظراً لأهمية هذه العناصر الثلاثة في حياة الإنسان والمجتمع وشدة تأثيرها على تلك الحياة، فقد يكلف خطأ سياسي واحد المجتمع خسائر باهظة مادية ومعنوية، قد تودي به إلى الهلاك.... السياسة بالنسبة إلى المجتمع مسألة حياة أو موت، خراب أو عمران، تخلف أو تقدم، انحسار أو ازدهار، لهذا كتب أفلاطون في السياسة بل تصور جمهورية مثلى للدولة، يكون فيها الفلاسفة ورجال الأدب والفكر هم رأسها المحرك، كما كتب في علم السياسة أرسطو وراح ضحية السياسة سقراط نفسه، كذلك كتب المفكرون العرب: ابن رشد، الفارابي، ابن خلدون... إلخ، فيما خصص الإيطالي ميكافيللي كتابه «الأمير» لهذا العلم، باحثاً في مواصفات السياسي الناجح، محدداً السياسة ومقومات السياسة التي تفضي بها إلى الفلاح أو الإخفاق. ولقد أفاد المنظرون السياسيون الكلاسيكيون، حين كتبوا في علم السياسة هذا، من علم النفس المتاح لهم بأكثر أشكاله تقدماً، لكن المدى الكبير الذي بلغه علماء السياسة في استخدام علم النفس والمعارف السيكولوجية لم يتم التوصل إليه إلا في عهد حديث.‏ أي بعد أن تطور علم النفس وانصقل وتبلور على شكل علم قائم بذاته. ونظراً لأن من المستحيل على عالم سياسي أن يتجنب استخدام الافتراضات المتعلقة بالشخصية البشرية فقد انشغل بعضهم في هذا الاستخدام وغرقوا فيه إلى درجة اتهمهم بعض النقاد «بالسكلجة»، أي بتجاوزهم الحدود المسموح بها للسيكولوجيا، مما سبب القلق للنقاد الذين شعروا بطغيان السيكولوجيا على السياسة لدى علماء السياسة أولئك.‏ عبر التاريخ ظل الشغل الشاغل لعلماء السياسة هو تحديد مواصفات السياسة الناجحة التي توفر للمجتمع الرخاء والازدهار، الأمن والسلام، الحرية والاستقلال وبالتالي السيادة والكرامة، وقد انصبت انتقاداتهم كلها على الممارسات السياسية التي تنعكس على المجتمع انعكاسات سلبية تودي به إلى أضداد ما سبق وذكرت.. خاصة وهم يعلمون أن كل سلوك أو قرار يتخذه السياسي سينعكس سلباً أو إيجاباً على المجتمع.‏ كذلك كان الهم الدائم لعلماء السياسة أن يحللوا الدوافع والأسباب الكامنة وراء هذه السياسة أو تلك هذا السلوك السياسي أو ذاك، مثال على ذلك خروشوف: لماذا خلع حذاءه وضرب به المنضدة التي يجلس عليها؟ أزمة خليج الخنازير التي كادت تفجر حرباً عالمية ثالثة، اغتيال ولي عهد النمسا في سراييفو، وهو الحدث الذي أشعل مباشرة فتيل الحرب العالمية الأولى.. إلخ.‏ إنهم ينطلقون في أبحاثهم وتحليلاتهم هذه من نقطة أساسية هي التالية: إذا ما تمت معرفة الأسباب والدوافع وراء هذه السياسة أو ذلك التصرف، أصبح بالإمكان فهمه وبالتالي تفادي وقوع مثيل له في المستقبل.‏ ضمن هذا المجال ينضوي اهتمام علماء السياسة بدراسة ظاهرة بدت غاية في الأهمية لتأثيرها البالغ في مجرى التاريخ وأحداث العالم كله في القرن العشرين، ألا وهي ظاهرة الاستبداد والدولة الاستبدادية. لقد انكب علماء السياسة في مرحلة من المراحل على تحليل تلك الظاهرة طبقاً لأنواع بعينها من الحكم غير الديموقراطي، فحددوا لب المسألة الاستبدادية بأنه يكمن في طبيعة النظام الاستبدادي ذاته. نتيجة ذلك جرت دراسة الاستبداد بطرق متعددة بغية تحديد جوهره من حيث أنه سياسات وممارسات منظمة للدولة، ولقد اتفقت معظم تلك الدراسات على عناصر أساسية عدة تتكون منها استبدادية الدولة وهي:‏ 1 وجود مجموعة من الأفكار المتطرفة ذات الطبيعة الإيديولوجية (السياسية العقائدية وأحياناً الدينية) التي تخدم كخطوط إرشاد مطلقة. هنا، تعد الأنظمة الاستبدادية والدكتاتوريات العسكرية في القرن العشرين جديدة تماماً، نظراً لأن الإيديولوجيا هي التي لعبت، في الأغلب، الدور الأساسي في قيامها. تتضح هذه الحالة بأجلى أشكالها في الفاشية والنازية، إذ شكلت مجموعة أفكار سياسية «متماسكة» أو ما يمكن أن نسميها بالإيديولوجيا، خطوط إرشاد مطلقة للحزب، الدولة، والناس بغية التقدم نحو أهداف النظام «المجيدة». تلك الأفكارالتي تنتقل عادة عبر منظومة وحيدة الاتجاه للدعاية. بحيث يتعين على المجتمع أن يؤمنوا بها كحقائق مطلقة دون سواها.‏ بهذه الطريقة استطاعت تلك الأنظمة الادعاء بأنها هي الشعب ذاته دون أن تكون قد تسلمت المسؤولية من ذلك الشعب بالانتخاب ودون أن يكون هذا الشعب قد فوضها بأن تنوب عنه أو تمثله البتة.‏ تتحول الإيديولوجيا، ما إن تتم صياغتها على شكل «ماين كامبفز» أي كراسات صغيرة صفراء أو خضراء أو حمراء، إلى ثقافة سياسية ذات عقابيل نفسية تظهر على شكل «نزعة تقليدية استبدادية» في حال دعم الأنظمة الاستبدادية اليمينية أو «نزعة استبدادية دوغمائية» في حال التطرف اليساري أو اليميني على السواء.‏ إنها الاستعداد التام للامتثال الكامل للإيديولوجيا أو خط الحزب، فالإيديولوجيا المهيمنة تكون نتاج كل ما هو تقليدي موروث وراسخ، لذلك لا تتحمل أية أفكار منافسة ولا تتساهل مع أية مواقف مغايرة.‏ 2 وجود تنظيم مكرس لتلك الأفكار: فالأفكار الاستبدادية تحتاج إلى تنظيم لكسب القوة السياسية. مثل هذه الأفكار قد تبقى هاجعة فترة طويلة من الزمن، تتغذى خلالها وتبقى حية من خلال خلايا أو روابط أخوية صغيرة أو جمعيات سرية أو أحزاب هامشية... بعدئذ، وفي ظروف ملائمة، تثب إلى السلطة شريطة أن تكون قد أقامت أو طورت تنظيماً فعالاً. ذلك أن التنظيمات الاستبدادية تطور مع الزمن مبدأ تنظيمياً بارزاً: التراتبية الاستبدادية، أي ما دعي في الفاشستية بمبدأ: الفوهرر، (أي القائد)، حيث تمضي الأوامر من القمة إلى القاعدة لتنفذ بحذافيرها دون تردد أو تذمر:‏ بهذه الطريقة تتنامى ثقافة الطاعة السياسية العمياء للقائد وبالتالي للحزب والدولة.‏ فالولاء المطلق والطاعة العمياء هما المتوقعان من الطبقات الدنيا في التنظيم. هذا الموقف التراتبي يغدو كلي الوجود، أي هو موجود بين الحزب والقائد، الحزب والدولة، الحزب والمواطنين، إنها تراتبية شاقولية للسلطة (أي من أعلى إلى أسفل) وهي أساسية للغاية بالنسبة إلى مفهوم الاستبدادية. كما أنها تختلف عن التراتبية الديمقراطية وحتى العسكرية في أنها ترفض أي نقد يأتي من تحت وتعادي أية جهة تتذمر أو تشكو حتى لو كان ذلك في صالح التنظيم. يدعى هذا التوجه التراتبي بالخضوع الاستبدادي.‏ 3 ظهور أعمال متطرفة يدعى إليها أو يتم القيام بها لنشر تلك الأفكار: أي استخدام الرعب والعدوان الاستبدادي للبقاء في السلطة فهناك اتفاق بين معظم علماء السياسة على أن أبرز سمة للأنظمة الاستبدادية هي: حكم الخوف، وذلك من خلال القيام بأعمال قاسية لا إنسانية تصل أحياناً إلى حد الوحشية بهدف واحد هو: إخافة الناس وزرع الرعب في قلوبهم، بدءاً من حملات التطهير إلى الاغتيالات والقتل، إلى السجن والنفي، وانتهاء بمعسكرات التجميع في دول القرن العشرين كليانية السيطرة. فكلها تهدف إلى تخويف الناس وإرهاب كل من يحتمل أن يعارض القائد أو الحزب أو الدولة أو يتخذ موقعاً معادياً لها. إنه السلاح الأساسي للقمع وكم الأفواه وبالتالي لسحق المعارضة بغية البقاء في السلطة.‏ أما تعريف «العدو» ، بالنسبة إلى هذه الأنظمة، فغالباً ما يكون مبهماً، إلى درجة يمكن معها لأي مواطن أن يكون ذلك «العدو»، وبالتالي أن يخاف من الاعتقال، العقاب، التعذيب، وحتى الموت.‏ لعل ثقافة الخوف السياسي هي الأكثر تميزاً للأنظمة والدكتاتوريات الاستبدادية. إنها، وعلى نحو لا مناص منه، تتغلغل في المجتمع بكامله والمؤسسات برمتها. هذا الميل لإنزال العقاب القاسي بكل من يفترض أنه منتهك، يدعى العدوان الاستبدادي. لقد درس علماء السياسة ظاهرة الاستبداد هذه بكثير من التفصيل لا مجال لذكره هنا، كما درسوا ظواهر أخرى في السياسة كالتعصب العرقي مثلاً، النزعة الانفصالية، وغيرها من الظواهر السياسية مستفيدين من علم النفس وتطوراته في القرن العشرين، فما دور علم النفس يا ترى؟‏ ب علم النفس هو المكوّن الثاني لعلم النفس السياسي:‏ كما نعلم، يهتم علم النفس أساساً بدراسة النفس البشرية وما يكوّنها من عناصر، في محاولة جادة لفهم تلك النفس بكل ما فيها من غرائز وطباع، نزعات وميول، بواعث ودوافع، وعي ولا وعي، نظراً لأن السلوك الإنساني يتوقف، في معظمه، على التركيبة السيكولوجية للإنسان، فرداً ومجتمعاً.‏ لقد ركز علماء النفس كثيراً على علم نفس الفرد مثل: سلوك قادة بعينهم، سلوك مواطنين أفراد كمنتجين ومشاركين مثلاً، كما ركزوا على السلوك الجمعي سواء أكان ذلك على مستوى الجماعة أم الأمة. لقد امتدت الدراسات السيكولوجية للأفراد إلى ما وراء دراسات السيرة الذاتية لقائد بعينه أو استبيان آراء المواطنين ومواقفهم كي تتضمن محاولات تنظيرية أكثر بحيث تقيم صلة وصل بين سمات الشخصية والتوجهات الإيديولوجية، كما هي الحال بالنسبة إلى الشخصية الاستبدادية الفردية، فيما تضمن علم نفس السلوك الجمعي مسائل تمتد من الأشكال العرقية وغير العرقية لهويات الجماعة وصولاً إلى احتكاك الثقافات المتعددة بعضها بالبعض الآخر والمسائل المتعلقة بقضايا الحروب والتطلع إلى السلام.‏ لقد كان اللب الحقيقي لعلم النفس، منذ أن نشأ، هو تحليل نفسية الفرد والاهتمام بالنفس البشرية ككينونة قائمة بذاتها. لكن مع اتساع دائرة علم السياسة وتطور علم نفس السياسة، بات لا بد من الانتقال إلى الاهتمام بالجماعة ودراسة علم النفس الجمعي، هنا بدت إشكالية مزعجة. فالانتقال من علم نفس الفرد الغني بالمعلومات والمعارف إلى علم النفس الجمعي الوليد، وضئيل المعلومات والمعارف، واجه صعوبة كبيرة قوامها أن علم النفس الجمعي ليس مجرد تراكم لعلم نفس الفرد، نظراً لأن الجماعة ليست مجرد تراكم أفراد، بل هي تراكم كمي يحدث تغييراً نوعياً تماماً، الأمر الذي ترك انعكاسه على علم النفس السياسي وشوهه فترة من الزمن، ذلك أنه برز سؤال هام: إذا كانت الشخصية البشرية كينونة قائمة بذاتها وبالغة التعقيد بذاتها، فكيف بالشخصية الجماعية؟ وإذا كان من العسير فهم سيكولوجيا الفرد فكيف يمكن يا ترى فهم سيكولوجيا الجماعة والمجتمع، الميدان الأساسي لسيكولوجيا السياسة ومجال اهتمامها؟‏ الجواب جاء مع تقدم المعرفة في ميدان علم النفس وتطور التقنيات المستخدمة لاستكشاف بعض العلاقات التفصيلية القائمة بين المواقف السياسية من جهة والأحاسيس والعواطف من جهة ثانية، وكذلك لتحديد هوية عدد من أوهام الوعي واللاوعي، البواعث والدوافع التي تحدد فهم الناس لطبيعة السياسة وقدراتها. لكن هذا أفضى إلى تناقض آخر هو أن نسبة صغيرة من مجموعة المواقف والمشاعر الكثيرة التي يقفها الناس ويشعرون بها تجاه السياسة، تظهر فقط في سلوكهم السياسي العملي، مما يعني أن العمليات الظاهرة لنظام سياسي ما، لا تتضمن إلا جزءاً يسيراً من جملة المواقف والتصورات السياسية لدى أفراده المشاركين.‏ ولفهم هذا التناقض، يمكننا، لحسن الحظ، أن نعود إلى مفهوم الثقافة نستخدمه ونربطه بنظرية الشخصية والسلوك، فما أهمية الثقافة بالنسبة إلى علم النفس السياسي؟‏ ج الثقافة هي المكوّن الثالث لعلم النفس السياسي:‏ يمكننا تعريف الثقافة بأنها النطاق المشترك لمفاهيم الوعي واللاوعي المكتسبة وللمشاعر المرتبطة بها، تلك التي تتوضع في نفسية الأفراد الداخلية، المؤسسات المجتمعية (مؤسسات اجتماعية اقتصادية، سياسية...) للفئة الثقافية وممارساتها العامة ونتاجاتها. وبتحديدها كذلك، تبدو صلتها بعلم النفس السياسي واضحة بذاتها. ترتكز العلوم الاجتماعية كافة على حقيقة أساسية هي: أن المجتمع البشري ممكن الوجود فقط بفضل الثقافة. فالسلوك الاجتماعي منمّط من حيث الجوهر، وكذلك التعاملات ذات المعنى التي تجري بين البشر الذين يتشاركون في العناصر الذاتية والرمزية لما يشكل الثقافات، إذ يكتب عالم الاجتماع والمؤرخ المعروف غرينفيلد.. "أن الحقيقة الاجتماعية هي ثقافية بجوهرها وهي بالضرورة حقيقة رمزية أبدعتها المعاني الذاتية للعناصر الفاعلة اجتماعياً وتطوراتها. فالنظام الاجتماعي (أي البنية الكلية الشاملة للمجتمع) يمثل نوعاً من التجسيد المادي أو الموضوعي لصورته التي يشترك في صنعها أولئك الذين يشاركون في تكوينه" (غرينفيلد 1990، 18) كما تبين لدارسين آخرين أن الثقافات السياسية كلها ترتكز على مجموعة خاصة من القيم والمعايير الأخلاقية... لهذا تختلف المجتمعات البشرية من مكان إلى آخر، نظراً لاختلاف ثقافاتها، أي اختلاف قيمها ومعاييرها. فهذه الثقافة مثلاً تركز على الإنجاز والاستقلال الذاتي والفردية، فيما تركز تلك على الغيرية والاهتمام بالآخر والعناية به، بينما تركز ثقافة ثالثة على الكسب المادي والربح فقط، فيما تركز رابعة على الشرف والكرامة... إلخ.‏ من هنا يمكننا القول: تتميز الثقافات وتختلف باختلاف نتاج الإنسان الموضوعي، رموزه ولغته، قيمه والأنماط السلوكية المنظورة التي تحدد هوية هذه الثقافة أو تلك، بيد أن قدرة الثقافة وقوتها تكمنان في ما تقوم به من عمليات فاعلة في عالم الإنسان الذاتي، في لا وعيه، حيث تعطي قوى الوعي واللاوعي هامشاً واسعاً من حرية الحركة والتخييل.‏ إن غنى البعد الذاتي للثقافة وتعقيده يرتفع أكثر فأكثر، لما له من جوانب إدراكية وعاطفية على حد سواء. من هنا، يمكن التفكير بالثقافة على أنها «خارطة الطريق الذهنية» التي تقدم المعرفة والإرشاد للسلوك السياسي. لكن، للثقافة أيضاً امتدادات عاطفية قوية تفسر لماذا يمكن لصدام الثقافات أن يكون بالغ الشدة والخطورة، ونظراً لأن الإحساس الأساسي للناس بهويتهم يتجذر بقوة في مشاعرهم ذات التميز الثقافي، فإن التفاعلات بين عناصر من ثقافات مختلفة قد تكون مشحونة بسوء الفهم وبالتوتر أيضاً.‏ لهذا السبب قال هنتنغتون في «صراع الحضارات» إن النظرة المطمئنة والقائلة إن التحديث والقيم الغربية المرتبطة به سيكتسحان القيم الأساسية للثقافات الأخرى، «إنما هي نظرة زائفة، لا أخلاقية وخطرة». فحسب رأيه «الثقافي والهويات الثقافية، وهي بشكل من الأشكال هويات حضارية، تشكل أنماط التماسك، التفكك، والصراع في عالم ما بعد الحرب الباردة، فالأبنية العالية في نيويورك وبكين قد تبدو متشابهة، لكن القيم الثقافية الصحيحة ونظرات أولئك الناس الذين يقطنونها ليست، بالضرورة، متشابهة».‏ بالنتيجة، الثقافة هي نمط للمعنى يتحول تاريخياً ويتجسد على شكل رموز ومنظومة من المفاهيم المتوارثة، رمزياً، يوصل الناس من خلالها معرفتهم بالحياة ومواقفهم تجاهها، أي هي معانٍ عامة مشتركة وكذلك سلوكات، مؤسسات (دينية واجتماعية)، قيم ومثل، أعراف وتقاليد، أي بالمحصلة، هي نظرة إلى العالم، تفسر لماذا أو كيف يتصرف الجماعات والأفراد على النحو الذي يتصرفون به. هذه النظرة المختلفة إلى العالم تفسر ظواهر وسلوكات معينة، مثلاً: سلوك قائد سياسي في موقف بعينه، ردود الأفعال تجاه أفعال بعينها، الموقف تجاه تهديد خارجي مثلاً... إلخ.‏ لقد أكدت جميع الدراسات أن هناك ترابطاً عضوياً بين الثقافة والسياسة، وبسبب هذا الترابط، فإن التحصيل الثقافي لمجتمع أو جماعة سكانية ما يعزز كل التعزيز فهمنا لسياسة هذه الجماعة، وذلك على الصعد التالية:‏ 1 تحديد الأولوية السياسية: فالثقافة تؤطر السياق الذي تحدث فيه السياسة، إذ تنظم الثقافات سلم الأولويات السياسية للمجتمع، بمعنى أنها تحدد الموضوعات المادية والمعنوية التي يراها الناس ذات قيمة أكبر فأصغر، مثال على ذلك: وحدة الألمانيتين في فترة الحرب الباردة، فقد كانت الثقافة الألمانية تعطي الأولوية لدى كل ألماني لمسألة الوحدة وإعادة توحيد الدولتين اللتين قسمتهما الحرب والمتحاربون، لهذا كان هم السياسيين الأول هو إعادة تلك الوحدة، كذلك الأمر بالنسبة إلى الثقافة العربية التي تضع في رأس سلم أولوياتها تحرير فلسطين ووحدة الأقطار العربية، فإذا ما استطاعت هذه الثقافية أن تجعل من هذه الأولويات أولويات لدى الأنظمة والحكام العرب، فمن المؤكد أن فلسطين ستتحرر والوحدة العربية ستتحقق.‏ 2 تحديد الهوية: فالثقافة تربط ما بين الهوية الفردية والهوية الجماعية، إذ تقدم الثقافة تعليلاً للسلوك السياسي من خلال النظرة المشتركة إلى العالم التي تجعل أفعال الأفراد وممارساتهم متشابهة. الرابطة الحاسمة هنا هي رابطة التماهي التي تجعل أعمالاً معينة مقبولة وأخرى مرفوضة؛ رغم أن الحال قد تكون معكوسة تماماً لدى ثقافة أخرى. فالمقبول يصبح مرفوضاً والمرفوض مقبولاً، وجهة النظر هذه تقول إنه يتم تحريض كل من العمل الفردي والجماعي، ولو جزئياً، من خلال الإحساس بالمصير المشترك للناس ذوي الثقافة الواحدة. هذا الإحساس يتضمن عنصرين:‏ أ التعزيز القوي المتبادل بين الهوية الفردية والهوية الجماعية، مما يجعل السلوك المقر ثقافياً موضع مكافأة.‏ ب شعور المرء بأن الأجانب سيعاملونه هو وأفراد جماعته الآخرين بطريقة متماثلة وهناك الكثير من الأمثلة على هذه الحالة، لو كان هنالك متسع.‏ 3 تحديد الحد والمحافظة عليه: فالثقافة تضع الحدود بين الجماعات وتنظم العلاقات والتفاعلات فيما بينها. هذا التحديد يتم بأشكال شتى ومن خلال وسائط شتى: القرابة، السن، الجنس، المصالح المشتركة... إلخ.‏ 4 الأطر التفسيرية: فالثقافة تقدم الإطار الخاص بها لتفسير أفعال الآخرين ودوافعهم، ذلك أنه في المواجهات المختلفة، غالباً ما يعزو الناس سلوك جماعة أخرى إلى دوافع أو مصالح معينة، انطلاقاً من نظراتهم الخاصة إلى العالم، والأمثلة على ذلك كثيرة أيضاً، لكن لا يتسع المجال لذكرها هنا.‏ 5 التنظيم والتحريك: فالثقافة توفر الوسائل السياسية للجماعات والقادة ذلك أن هؤلاء غالباً ما يحتاجون، من أجل تحريك المجتمع سياسياً، إلى أدوات ووسائل لا توفرها لهم إلا الثقافة، مثال على ذلك: التنظيمات التي تحدد اختلاف الجماعة عن سواها وتميزها، التنظيمات التي توفر التواصل الداخلي للجماعة، التنظيمات التي تقدم الآليات الخاصة بصنع القرار، السلطة اللازمة لتنفيذ القرارات، التنظيمات التي توفر الإيديولوجية السياسية التي تشد اللحمة بين أفراد الجماعة، وأخيراً الاحتفاليات والشعائر التي تربط الإيديولوجية بمشاكل الجماعة الراهنة.‏ ختاماً، إن الاهتمام بهذه الميادين الثلاثة: علم السياسة، علم النفس والثقافة ثم المزج بينها هو الذي أفضى إلى ظهور علم جديد يدعى علم النفس السياسي وهو الذي يبشر إذا ما تطور تطوراً أكبر بأن نفهم فهماً أدق وأوضح سيكولوجيا السياسة في عالم تتعقد فيه السياسة وتشتد غموضاً.‏

ادلجة الذات و شيطنة الاخر

محمد ديبو / أدلجة الذات وأبلسة الآخر
تتبارى الأنظمة الدكتاتورية وخاصة التي وصلت الحكم عن طريق الانقلابات العسكرية، في بداية عهدها في الترويج والتطبيل، أن أولى مهامها مكافحة الفساد والتوزيع العادل للثروة، وعادة ما تقوم تلك الأنظمة بحملات محدودة النطاق فتطيح ببعض الرؤوس التي لا تتناسب مع الوضعية الجديدة، وغالباً وما تكون تلك الرؤوس المطاح بها، من الرموز القديمة «الحرس القديم» التي زكمت رائحة فسادها الأنوف فيعطي خبر محاكمتها ارتياح ما في أوساط العامة التي تستبشر خيراً متوهمة أن عهداً جديداً قد بدأ. ولكن نظرة متفحصة لطبيعة تلك الأنظمة تبين أن الأمر أعقد من ذلك بكثير لأن العقد المضمر القائم بين السلطات المستبدة والفساد يكاد يكون عقداً أبدياً بحيث ان زوال أحدهما يعني زوال الآخر بالضرورة، لأن الفساد يعطي النظام المعني ورقته القوية في اللعب بضمائر الناس وإفسادها، وفي تقديم المزايا الخاصة للرؤوس التي تشكل مواقعها خطراً قد يهدد النظام، حيث يعطي النظام تلك الرؤوس مزايا استثنائية الأمر الذي يجعلها تستميت وتستشرس في الدفاع عن الوضع القائم لأنها بذلك تدافع عن امتيازاتها ومصالحها. وبالمقابل يعمل النظام على ديمومة واستمرارية الفساد بحيث يترك الأبواب أمامه مفتوحة ومشرعة باتجاه الإفساد المتعمد، بحيث «يجعل الجميع مدانين تحت الطلب»، وفق تعبير المفكر طيب تيزيني وفق توصيفه للدولة الأمنية، حيث تستخدم السلطة الفساد بأشكاله كافة (فساد مالي، وسياسي، وأمني، وجنسي...) من أجل ترسيخ سيطرتها، وقمع معارضيها، وتفتيت كل تجمع مدني حر، وإفقار الحياة السياسية عن طريق شراء ضمائر المثقفين والسياسيين، وخاصة الضباط ذوو المواقع الحساسة حيث يتم التغاضي عن كل فسادهم وجبيهم اللا مشروع للأموال والسيارات والشقق، مقابل ولائهم الكامل. وبذلك يصبحون جزءاً من بنية النظام نفسها، وكذلك الأمر بالنسبة للمواطنين الذين يصبح جل همهم الوصول لمنصب مهما كان صغيراً يستطيعون من خلاله تحسين أوضاعهم، الأمر الذي يعني أن هذه السلطات لا تستطيع محاربة الفساد ولا تريد ذلك أصلاً لأن هذا يعني حفر قبرها وإقصاءها من موقع الحكم، لأن تقليص حجم الفساد يعني توزيعا عادلا بشكل ما للثروة، ولجم يد السلطة عن شفط أموال الناس واستخدامها بما يديم سيطرتها.إن شعار محاربة الفساد في النظم الشمولية ونظم الاستبداد هو مجرد شعار طالما أن بنية هذا النظام ستبقى محاصرة بمنظومة قوانين الطوارئ، وحالات الاستثناء، وغياب الحرية وعدم وجود قانون عصري للأحزاب، ذلك لأن الاستثناء والفساد مترادفان أيضاً لا يستمر أحدهما دون الأخر، عندما تستثنى الغالبية من ميزات معينة تمنح لأقلية معينة نتيجة قرابتها السياسية أو العائلية من السلطة، الأمر الذي يعني أن محاربة الفساد لا يمكن أن تكون جدية دون إلغاء قوانين الطوارئ وحالات الاستثناء التي تمنح النظام شرعيته المفقودة شعبياً.غالباً ما يطرح أفراد السلطة، خصوصا في العالم الثالث، الواصلين حديثاً إليها شعار مكافحة الفساد، وبعضهم يكون صادقاً، فيبدأ بحملات إصلاحية محدودة هنا وهناك لمحاولة تصويب الوضع القائم قليلاً، وليعطي النظام الجديد نفسه شيئاً من الشرعية، ولكن حتى هذا الإصلاح الجزئي قد يقوم بتعميق الفساد أكثر مما يحده لأنه ينطلق في محاربة الفساد من زاوية ضيقة لا ترى الجذر الحقيقي للفساد وهو طبيعة النظام وآلية عمله المفرخة للفساد بأشكاله كافة، فتعمل هذه الإصلاحات على خلخلة البنية الراكدة لنظام لا يحتمل الخلخلة أساساً، الأمر الذي يوضح لنا تراجع أغلب هذه النظم عن شعاراتها في مكافحة الفساد لأنها تستشعر مدى خطر هذا الأمر على بنية النظام المتعيشة على الفساد، فيغدو إصلاحها بعد ذلك هو مجرد استبدال أشخاص اتخموا من النهب، وغالباً ما يتم نقلهم لأماكن دنيا، بأشخاص جدد جيوبهم مجهزة لتعبأ.إن شعار محاربة الفساد لا يمكن أن يطرح بعيداً عن منظومة كاملة من الإجراءات أهمها الحرية، والديمقراطية، وحقوق الإنسان، لأن محاربة الفساد تأتي ضمن هذه المنظومة ولا يمكن لها أن تنجح خارجها حيث أن حالات الاستثناء، واليد المطلقة للسلطة، وتغييب القضاء (وهي الركائز الأساسية لتغلغل الفساد وترسخه) لا يمكن أن تبتر إلا من خلال الديمقراطية التي تعطي الجميع حقوقاً متساوية، وتحد من تدخل السلطة، وتُخضع الجميع لمبدأ القضاء، وهذا الأمر يستحيل تحققه في نظم استبدادية تسعى للسيطرة أكثر مما تسعى إلى تحقيق مطالب مجتمعاتها وترسيخ قيم الديمقراطية، والحرية، والعدالة الاجتماعية.

نماذج الديمقراطية وأزماتها
دراسة في جدلية العلاقة بين الفرد والدولةوفق النظام السياسي الديمقراطي

علي عبود المحمداويمدرس الفلسفة المساعد في كلية الآداب – جامعة بغداد
نماذج الديمقراطية وأزماتها
الأنظمة السياسية وعلى مر الأزمنة، لم تكن (في يوم من الأيام وعلى مستواها التطبيقي) ، قد استطاعت أن تحقق آمال أفرادها المتطلعين دوما إلى المثال فيها ، والعدالة لهم ، والتمتع بحقوقهم وحرياتهم الفردية والجمعية ، لذلك كانت مهمة النظام السياسي
* لصيقة بالفشل أو عدم الرضا أو فقدان الشرعية (إلا ما ندر) ، وبقدر ما يتضح فساد الكثير من تلك الأنظمة السياسية كالاستبدادية الدكتاتورية ، أو ملكيات الحق الإلهي ، أو ارستقراطيات الخواص والامتيازات ، أو الأنظمة العسكرية والتطلع للأمجاد والشرف على حساب شعوب تلك الأنظمة ، إلا إن النظام البديل الذي يعرض في كل مرة (بعد كشف زيف نظام سياسي أو عدم أهليته ) هو النظام الديمقراطي في محاولة للخلاص ، وكأن الديمقراطية هي ذلك المثال وتلك العدالة وتلك الضمانة للحقوق والحريات ، وإيمانا منا بذلك أيضا ، فإنه يستوجب البحث في إمكانية أن يكون النظام الديمقراطي هو البديل الصحيح والأصلح ، ودراستنا هذه تركز على أنواع الديمقراطيات وموضوع الأزمات أو المشاكل الرئيسية التي يمكنها أن تعتري النظام الديمقراطي مما يجعله قد لايمثل تلك الطموحات .

نماذج الديمقراطية :هنالك العديد من النماذج الديمقراطية وقد يخضع تقسيمها وتعدادها لمعايير مختلفة ، ومعيار تقسيمنا هو التقابل بين الفرد أو المجتمع والدولة ، أي مدى تمثيل النظام الديمقراطي لإرادة مواطنيه وأفراده ، وذلك في جدل سيادة الشعب والدولة ، وكيف يمكن تحقق كل منهما عبر الآليات الديمقراطية داخل أي نموذج منها ، وبقدر ماهنالك من اختلافات في نماذج الديمقراطية ، فإنه يوجد مشتركات يمكن تلمسها في اغلب نماذج الديمقراطية ،وتشكل في إطارها العام ايجابيات
** وأزمات للمفهوم العام للديمقراطية ومحاولة تطبيقها . وقبل الشروع في تشخيص تلك الأزمات ، نرى من الحري بنا أن نذكر أهم النماذج الديمقراطية عبر التاريخ والإطار النظري الفلسفي لشكل الحكم حسبها .النموذج الأول : النموذج الأثيني وهو الديمقراطية المباشرة ، هو النموذج السائد لفترة ليست بالهينة على مستوى الأهمية ، فقد كانت مثال الديمقراطيات عبر التاريخ ، والاستنارة التي وجدت الشعوب( الراغبة في التحرر) فيها المنار والمشعل ولحظة الخلاص .وكانت هذه الديمقراطية تجعل من الشعب هم الحُكّام والمَحكُومين في الوقت نفسه وذلك عبر المقولة الشهير ( حكم الشعب نفسه بنفسه) ، فالشعب هو مصدر كل السلطات وهو ممارسها ، وهو المراقب لها والمحاسب عليها .وامتازت هذه الديمقراطية بكونها تعتمد آلية التصويت المباشر في قراراتها في الشأن العام ، كما من خصائصها إنها كانت في إطار جغرافي صغير نسبيا يسمح بممارسة الشعب الصغير بدوره من ممارسة حكمه لنفسه بنفسه .و من ابرز المشاكل التي تؤشر عليه هو مفهوم المواطنة الذي اقتصر عل نسبة قليلة من الشعب وذلك باستثنائه للعبيد والأجانب والنساء من التصويت وممارسة الحكم ، وذلك لمبررات منها إن المجتمع الأثيني مجتمع ملاك وعبيد ولا امتيازات حينها للعبيد ، كما إن قضية المرأة كانت لا تشكل أهمية ولا يعتد بوجودها كمساهم في الحياة السياسية أو الشؤون العامة ، أما اليوم فقد دخلت كفاعل رئيس وكمواطن يتمتع بكل مزايا المواطنة من الحقوق والواجبات ، بل تعدى الأمر إلى محاولة تعويض عما فاتها من خلال الحركات النسوية والمطالب الخاصة النسائية وليس المواطنية .النموذج الثاني : الديمقراطية الجمهورية وتعرف الجمهورية على إنها "الحكومة التي يكون فيها للشعب بمجموعه ، أو بممثلين عنه ، حصة أساسية في السلطة" ([1]) والديمقراطية الجمهورية هي النظام الذي يقوم على أساس انبثاق السلطة عن الشعب أو ممارستها من قبله مباشرة أو بواسطة الانتخاب والاختيار، وبذلك فإن مفهوم الأمة والتجانس يلعب دورا أساسيا فيها ، وبمعيار الأغلبية في التصويت دون المراعاة أو الأخذ بعين الاعتبار مسألة الأقليات وحقوقها ، أو محاولة إذابة واقع الأقلية مع توجه الأغلبية لتحقيق رأي الشعب الذي سيكون بدوره رأي الأغلب ،([2]) لذلك اتهم بكونه دكتاتورية الأغلبية وفي هذا النقد كلام كثير ونحن لا نتفق معه ،وعليه فهي تبحث عن الروح والإرادة الكلية الجمعية التي تمثل الشعب ورأي أغلبيته أن لم يتحصل الإجماع.والديمقراطية الجمهورية بدورها تنقسم إلى قسمين هما: الحمائية و التنموية ، ويقصد بالجمهورية الحمائية هي مشاركة الشعب في الحكم لأجل حمايته من استبداد الآخرين عليه ، والمشاركة السياسية شرط أساسي من شروط الحرية الشخصية وهي في سبيل توازن القوى بين الشعب وامتيازات الملوك وارستقراطيين، أما التنموية فهي مشاركة الشعب عبر تنمية تلك المشاركة وعبر فصل السلطات وإمكانية محاسبة الحكام دعما لسلطة الشعب وزيادة في وعيه بالمطالبة بالحرية واستقلال تقرير المصير .النموذج الثالث : الديمقراطية الليبرالية وهي على عكس الجمهورية في مسألة الأغلبية فقد دعت إلى المطالبة ومحاولة إشراك الأقليات في الحكم عبر تقسيم السلطات أو عبر تفعيل آلية المعارضة الوفية أو الموجهة ، وهي في حقيقة الأمر تقضي بالاهتمام بحقوق الأفراد كأفراد وليس كشعب أو امة أو أغلبية ، لذلك يكون مفهوم الأقلية حاضر ويعد حجر الزاوية في التنظير الليبرالي ، ويجب أن لايفهم من ذلك أن حق الأقلية هذا يؤخذ بإقصاء الأغلبية أو انتقاص حقوقهم بل عبر برامج تفعيل دورهم ومحاولة تمكينهم من الحكم سواء الوطني أو المحلي ، وهي في أصلها قائمة على المعيار الاقتصادي وملكية الفرد ، وكذلك هي تنقسم إلى قسمين هما الليبرالية الحمائية والليبرالية التنموية .فالحمائية نابعة من كون المواطنين "بحاجة إلى الحماية من الحكام كما من بعضهم البعض"([3] ) إذ يكتسب الفرد أهمية خاصة في الليبرالية كما هو الحال عند فلاسفة عصر التنوير والذين تبنوا فكرة العقد الاجتماعي مثل. وتتم حماية حقوق الأفراد في الديمقراطية الليبرالية بتضمينها في الدستور ولذلك تسمى أيضا بالديمقراطية الدستورية ([4] )، والتنموية تدعي وجوب الدخول في الحياة السياسية ليس للحماية فقط ،بل لإيجاد كتلة مواطنين مطلعة وملتزمة ومتطور ونامية ، وذلك عبر إشراك المواطنين في مختلف فروع الحكم ولاسيما الحكم المحلي ، وترسيخ حقوق الأفراد المتعلقة بحرية الفكر والذوق والمناقشة والنشر ،وعلى العموم فإن الليبرالية تقوم على الإيمان بالنزعة الفردية القائمة على حرية الفكر و التسامح و إحترام كرامة الإنسان و ضمان حقه بالحياة و إعتبار المساواة أساسا للتعاون و منطلقا لإحترام الأفراد وضمان حريتهم و لا يكون هناك أي دور للدولة في العلاقات الإجتماعية أو الأنشطة الإقتصادية إلا في حالة الإخلال بمصالح الفرد و المجتمع ، و تقوم الليبرالية أيضا على تكريس سيادة الشعب عن طريق الإقتراع العام و ذلك لتعبير عن إرادة الشعب و التخلص من الفساد في المجتمع و إحترام مبدأ الفصل بين السلطات التشريعية و القضائية و التنفيذية و أن تخضع هذه السلطات للتعديل من أجل ضمان الحريات الفردية و للحد من الإمتيازات الخاصة و رفض ممارسة السيادة خارج المؤسسات لكي تكون هذه المؤسسات معبرة عن إرادة الشعب وبالتالي كون الدولة محايدة وعلى النظام أن يعتمد آلية السوق الحرة .النموذج الرابع : الديمقراطية الاشتراكية ، يعد لينين قائد ثورة أكتوبر الإشتراكية هو من وضع أسس الديمقراطية الإشتراكية حيث أن لينين رفض فكرة الديمقراطية البرلمانية بشكل قاطع معتبرا أن وجود أقلية لا تتجاوز خمس مئة شخص تمثل الشعب تضع مصالح الشعب بيدهم وهم عدد قليل من الممكن شرائهم ويصبحون جزء من الحكومة بشكل غير مباشر ورفض مبدأ فصل السلطات الذي كان سائدا في الدول التي تعتمد الديمقراطية البرلمانية وكانت التجربة اللينينية في تطبيق الديمقراطية هي وضع سلطة تنفيذية تشريعية واحدة بدون فصل تسمى مجلس السوفييت الأعلى وكلمة سوفييت تعني الشورى أي أن الاسم العربي كامل مجلس الشورى الأعلى ويتم انتخاب هذا المجلس بشكل هرمي حيث تبدأ الانتخابات من مجالس السوفييت إنطلاقاً من الأحياء وثم مجالس أعلى تنتخب من مجالس الأحياء وهي مجالس المناطق والقرى وهكذا لتصل إلى المجلس الأعلى للشورى لكن مع ولادة التجربة بدأت تنهشها البيروقراطية وتحول ممثلي الشعب إلى قيادات ثابتة لمدة أربع سنوات فكتب لينين لقد تحول ممثلي السوفييت إلى برلمانيين لا يتم تغييرهم إلا كل أربع سنوات لذلك يجب أن يكون عضو السوفييت قابلا للسحب أي تحويل مجالس السوفييت إلى مؤتمر مفتوح ليكون كل منتخب قابل للمراقبة والسحب عندما يفقد ثقة ناخبيه مباشرة دون انتظار المؤتمرات ([5]) وهنالك دعوات معاصرة ونماذج خليطة من الأنظمة السياسية تحاكي معنى الديمقراطية الاشتراكية .النموذج الخامس : الديمقراطية الشيوعية ، ويقصد بها الممارسة المباشرة للشعب للحكم الذاتي حسب ماركس والذي تتحقق مع المجتمع اللاطبقي ، وهو المجتمع الشيوعي لسعيد الذي يطمح وينظر له ماركس عبر مسير تاريخية من كدح البروليتاريا أو الطبقة العاملة من مناهضة النظام الرأسمالي وإقامة النظام الاشتراكي ومن ثم دكتاتورية تلك الطبقة البروليتارية وبعدها إلغاء الدولة بإعتبارها أداة للهيمنة والسيطرة وبالتالي إعلان المجتمع الخالي من الهيمنة والاستغلال والخالي من التفاوت الطبقي وحينها تكون الديمقراطية الفعلية لان الشعب ككل يَحكِمون ويُحكَمون لكن حسب آلية (جميع الشؤون العامة مدارة جماعيا) وذلك عن طريق الإجماع كمبدأ في اتخاذ القرارات حول سائر القضايا العامة ، وهنالك من يتهمها باليوتوبيا أو الخيال ، وانه على الرغم من كل الصرامة العلمية المتوخاة في المنهج الماركسي إلا انه في تنظيره لنهاية تطور المادية التاريخية قد دخل في حذر منه وهو اليوتوبيا .كل ماسبق كان قبل بزوغ فجر القرن العشرين الذي حاول أن يتجاوز يوتوبيا الأنظمة أو فوضويتها أو أزماتها فأنتج بدوره التاريخي انساقا أخرى من النماذج الديمقراطية كان أهمها :النموذج السادس: الديمقراطية النخبوية التنافسية، يعتقد أصحاب هذا الرأي انه يجب استبعاد الأفكار التي تقول ان الشعب متمتع بخيارت عقلانية حول جميع المسائل السياسية ، أي انه يستطيع ان يبدي رأيه في مواضيع الشأن العام مباشرة أو عن طريق ممثليهم ، وهذا كله ليس من مهام الشعب لان مهامه محصورة بالية انتخاب الرجال القادرين على اتخاذ القرار .وعليه فالديمقراطية هي منهج سياسي يعتمده الشعب كناخبين للقيام دوريا بالاختيار بين مجموعات، قيادية، نخب ، متنافسة .وعليه تصبح الأحزاب هي المسيطرة على السلطات في الدولة ، ويكون الناخبين عبارة عن مجموعة ضعيفة الاطلاع أو عاطفية ،ويكون الحكم فيها مركزيا بجهازه التنفيذي القوي ([6]) ، في حين يسوق هذا الاتجاه الرأي نحو كون الديمقراطية ليست بطريقة حكم وإنما طريقة لتحديد الحكم واختيار الحاكمين ([7])النموذج السابع: الديمقراطية التعددية ، ويمكن عدها فرعا من النخبوية السابقة إلا إن الفرق هو إن النخب التي تنتج عن المساومات والانتخابات كفئة قائدة ، هي جزء من الوعي والقيم المجتمعية للأمة أو الشعب وليس بالمعنى السابق على أنها تمثل فكرة الأبطال وإنهم يتخذون مايرونه بأنفسهم صالح ؛لا ، هنا الأمر يختلف بحيث أن مايقروه هو مايعبر المنظومة القيمية والإرادية للمجتمع ، وعليه فانهم حينما يقررون لايقررون بمفردهم بل بحضور معنوي قيمي لكل الناخبين للممثل .وهنالك نوعين من هذه الديمقراطية هي التعددية الكلاسيكية والتعددية الجديدة ، والفرق قليل بينهما يمكن تشخيصه ، الجماعات في الكلاسيكية تهدف إلى تقاسم السلطة بما يخدم مصالح المتنافسين ، أما في التعددية الجديدة فهي صراع من اجل السلطة ، في الكلاسيكية السعي إلى النفوذ السياسي والقوة المعنوية عبر محاولات تحصيل الشرعية النظمية أو الشعبية بواسطة جماعات الضغط ، إلا انه في النيو تعددية جماعات الضغط فيه تسعى إلى برنامج سياسي منحاز لمصالح الشركات ي خضوع السياسة إلى الاقتصاد .([8])النموذج الثامن: الديمقراطية القانونية ، تقر هذه الديمقراطية بفاعلية مبدأ الأكثرية أو الأغلبية وهي ترى انه يبقى أكثر أسلوب فعالية ورغبة لدى الأفراد ، إلا انه يجب يتقيد بسيادة القانون ، (سيادة القانون على الكل ).فالديمقراطية ليست كذلك إذا أعطت إرادة سائبة للأغلبية ([9] ) ومن سماتها أنها دستورية وتؤمن بمبدأ فصل السلطات ، وعلى الدولة أن لاتتدخل في الحياة الخاصة إلا بأدنى حد مع الضرورة ، المبادئ التي تقوم عليه هي ليبرالية ، إلا إنها تحاول أن تقيد كذلك دور جماعات الضغط والمصالح وتقليص الأخطار الناجمة عن النزعات الجمعية ، وعلى ذلك فهي مزاوجة بين الجمهورية والليبرالية عبر التأطير بالقانون .النموذج التاسع ديمقراطية المشاركة ، ويقصد بها النظام الديمقراطي القائم على الشعور بالكفاءة السياسية التي تغذي الاهتمام بالمشاكل الاجتماعية ، ويساهم في تشكيل كتلة من المواطنين مطلعة وقادرة على الاهتمام الدائم ، وبذلك تكون مشاركة المواطنين مباشرة في تنظيم المؤسسات الاجتماعية ، محاولة إلقاء البيروقراطية لأنها تمثل الأشخاص الذين يصعب محاسبتهم في الحياة العامة والخاصة أو تقليصها للحد الأدنى ، دعم المرأة كمشاركة فعالة جنبا إلى جنب مع الرجل ،([10]) وقد يتهم هذا النموذج أيضا بالمثالية في كونه يصعب تطبيق فعالية المواطنين الواعين والمتطلعين إلى حلول المشاكل الاجتماعية ، إضافة إلى صعوبة القضاء على الجهاز البيروقراطي الذي يمثل عماد الدولة الحديثة ، .النموذج العاشر: الاستقلال الديمقراطي ، يعني الاستقلال "قدرة البشر على المحاكمة بوعي ذاتي ، على أن يكونوا متحلين بصفة تأمل الذات وعلى أن يكونوا قادرين على تقرير مصائرهم "([11] )،ويرى أصحاب هذا الرأي انه لايمكن تحقيق الاستقلال الديمقراطي إلا من خلال إعادة التفكير بفعل الدولة وإمكانية محاسبة فعل الدولة من جهة ومن جهة أخرى إمكانية المجتمع على القيام بهذا الدور عبر التنشئة الديمقراطية ، وذلك يتطلب عمليتي إصلاح وتنمية ؛ إصلاح للمؤسسة السياسية وتنمية للمجتمع المدني ، وذلك يستدعي أن تكون هنالك حقوق متساوية للمواطنين ، وذلك من اجل تقرير أحوال حياتهم الخاصة ، وكذلك دعم دستوري لمسألة الاستقلال .* وكل ماسبق يمكن تفعيله عبر استحداث آليات ديمقراطية جديدة من محاكم المواطنين وتغذية الناخبين الراجعة ، لتعزيز فعالية المواطنين([12] )وهنالك نماذج أخرى مثل النموذج الكوني والنموذج التداولي ، وكلاهما يمكنهما أن يأخذا بعدا اكبر من بعد الدولة القومية أو دولة الأمة الحديثة ، نحو فضاء أوسع هو العالم ككل ، لذلك اتسمت بكونها أممية وكونية ، والنموذج الكوني يعرضه ديفيد هيلد في كتابه نماذج الديمقراطية الجزء الثاني ، والديمقراطية التداولية هي مايتبناه الفيلسوف الألماني يورغن هابرماس ويقيمها على البعد اللغوي وأخلاق النقاش بين المتحاورين العقلانيين الهادفين إلى التوافق حول الشؤون العامة بما فيه شكل الحكم وآلياته .النموذج البديلالنموذج الحادي عشر : الديمقراطية التفاعلية ، ونرى انه يمكن تطوير نموذج للديمقراطية ، يحاول تلافي ضبابية التنظير أو صعوبة التطبيق التي أوردتها النماذج السابقة ، وذلك بما اسميه نموذج الديمقراطية التفاعلية وهي في نوع منها انجاز لنموذج الاستقلال الديمقراطي وديمقراطية المشاركة ، إلا إنها تختلف بميزات عدة نظهرها تبعا في الدراسة ،وتظهر أهمية نموذجنا لأنه "ينبغي تأكيد حقيقة إن محاولة تطوير تصور ديمقراطي للخير السياسي – الحياة الصالحة محددة في ظل شروط حرة ومتساوية للانخراط السياسي - لا تقدم أي علاج سحري لسائر المظالم ، الشرور والأخطار ، غير إن مثل هذه المحاولة ترسي بالفعل أساسا صلبا للدفاع عن عملية الحوار وصنع قرار عامين بشأن قضايا عامة وتقترح طرقا مؤسسية لتطور مثل هذه العملية "([13])وعليه فالنموذج المقترح هو إمكانية تفاعل المواطنين الأحرار الذين ينتجون نظاما ديمقراطيا يتسم بالية الاقتراع وتقسيم السلطات ، ووجود جماعتا مصالح وضغط ورأي عام يتشكل في بيئة تمثل مطالب أولئك المواطنون لغرض تحديد معالم السياسة العامة الصادرة من قبل النظام الديمقراطي ، ومن ثم فإن النموذج الديمقراطي التفاعلي يقضي بدوره بتفاعل السلطات ( النظام السياسي) بالاستجابة لتلك المطالب لتحويلها إلى تشريعات وقوانين تمثل دسترة وشرعنة لفعل مجتمع المواطنين الأحرار الفاعلين ، وعليه يكون الحكم يمر بالسلطة باعتباره أداة بيد المواطن ومن اجله وبسببه تشكلت ومارست فعلها ، وينتظر المواطنون الفعالون نتيجة تلك التشريعات والنصوص القانونية إن كانت تلاءم ماصبوا إليه وتمنوه وارتجوه ، فإن لم يحقق مطالبهم ، عادوا به وردوه إلى سلطتهم لغرض تحقيق الانسجام من جديد وهذا فحوى التفاعل .ويمكن أن نقول إن الإيحاء بهذا النموذج كان نابعا من نظرية ديفيد أوستن في النظرية النظمية في الدراسات السياسية ، والتي أقامها لغرض وصف وتفسير سلوكية النظام السياسي عبر آلية المدخلات In puts والمخرجات Out puts.([14]) كما ن هذه الفعالية ( بين المجتمع والدولة ) يمكنها أن تستخدم فكرة المجالس المواطنية وهي مجالس تكون موزعة جغرافيا داخل الدولة لغرض تحقيق الفاعلية وهي ميدان حر لتبادل وجهات النظر ومناقشة المطالب ، والقوانين والتشريعات الصادرة عن السلطة السياسية ، كما ولها حق تقييم وتقويم أداء وسلوك النظام السياسي ، ولها الحق في تبني مواضيع تقدم إلى السلطة القضائية على إنها انتهاك لحقوق المواطنين أو خرق لآلية الحكم المفترضة ، ولهذا لايقتصر دور النموذج في مخاطبة السلطتين التنفيذية والتشريعية بل إن القضائية تكون بتماس مع المواطن عن طريق النظر في مطالبه وتوفير نوع من التغذية الاسترجاعية الكفيل بمراجعة الأحكام الصادر كمحكمة مواطنية للتمييز ( بإطار قانوني موكول تشريعه للسلطة التشريعية ) وذلك مايسوغ لـ"مبدأ التشريع المستمر" ([15]) الذي يستدعي الفاعلية المطلوبة للمواطنين والدولة ، كما انه يجب أن تمنح صلاحية للشعب عبر استفتاءات أو قرارات المجالس المواطنية في إعفاء النواب وفصلهم إذا لم يستطيعوا أن يحققوا مطالب جمهورهم .



الديمقراطية التفاعلية


والفرق بين هذا النموذج ونموذج أوستن هو زيادة المحاكم والمجالس في خانة المطالب وتقييم الأداء والخطابات السياسية والبرامج الحكومية في استجابات النظام ، وإمكانية الصلة بين المواطن وكل السلطات بالمطلب والتقييم والتقويم للأداء وهذا مالم يعره أوستن أية أهمية .أزمة الأنظمة الديمقراطيةهنالك جملة من الأزمات التي تعتري النظام الديمقراطي ، إلا انه يمكنني إيجازها بأزمتين ومشكلتين رئيسيتين ، تتفرع منها كل المشاكل الأخرى . و هما :الأولى : أزمة الشرعية : ويمكن تلمس آثار هذه المشكلة منذ نشوء الأنظمة الديمقراطية وعلى مر تاريخها ، فكانت شرعيتها منقوصة لأنها لم تشرك النساء ولا الأجانب ولا العبيد حينما أصبح عدد المواطنين قليلا مع الديمقراطية المباشرة الأثينية ، ولم تستطع تجاوز هذه المشكلة الديمقراطية الجمهورية الرومانية ، لأنها لم تستطع التخلص من نظام الامتيازات ، إلا أن الانعطافة الكبرى ظهرت مع العصر الحديث وفلاسفة العقد الاجتماعي الذي نادوا بوجود حقوق طبيعية بما فيها المساواة والحرية ولذلك كانوا أحرارا متساوون ، ووجود أولئك الأفراد سابق للتنظيم السياسي وعليه فهم حينما يشكلوه ، يشكلوه حسب ما يرجون وعليه يمتاز بنوع من الشرعية ، إلا إن المستوى النظري لم يستطع أن يجد له واقع ممارسة وتطبيق ، وعليه فالأزمة لم تحل ولم تنتهي لأنها لم تستطع أن تجد لها سبيلا في ارض الواقع ، وحاول الجمهوريين مع روسو أن يعملوا انعطافة أخرى نحو الإرادة العامة والجمعية لغرض توسيع آلية الديمقراطية المباشرة من المدينة إلى الدولة أو الأقاليم وعليه كانت محاولة لحل الأزمة عبر إنشاء مجالس جمعية تمثل تلك الإرادة وتعطى السلطات بيدها وهي تمثل الجميع وهم يخولون من يشاءون لإدارة الحكم كسلطة تنفيذية مخولة ومراقبة وحينما تخطيء تقال ، إلا إن الأمر واجه صعوبة التحقيق هو الآخر إذ إن تطبيق هذا النموذج وسيادة الشعب بهذه القوة لم تر النور لليوم .ومع الديمقراطيات الاشتراكية والشيوعية لم تستطع أن تتجاوز المحنة لأنها وقعت في مشكلة الاستبداد الحزبي والطبقي ، وعليه انتقلت من حيز الأنظمة الديمقراطية إلى الأنظمة الدكتاتورية ، ومع نظريات القرن العشرين والتركيز وبوضوح وعلانية أكثر لمسألة الشرعية ، وكيف ادعى البعض إن الاقتراع هو أول مراحل منح الشرعية ، إلا إن استمرارية الشرعنة هو دوام رضا مواطني ذلك النظام ، وذلك صعب المراد والتحقيق ، وعليه بقى موضوع الشرعية هو الذي يدعم محاولات إعادة التنظير لنماذج جديدة من الديمقراطية ، ويمكنني أن ادعي إن الديمقراطية التفاعلية إن تحققت وهي ممكنة التحقيق ستعالج بنسبة مشكلة الشرعية عبر المجالس المواطنية وبرنامج المدخلات والمخرجات . وتنبثق عن هذه الأزمة أزمات أخرى مثل التمثيل النسبي ومشكلة تمثيل الناخبين الذي لم يستطع مرشحيهم من الصعود إلى قبة البرلمان فبالتالي يصبح المواطنون بلا ممثل وعليه فهو غير مشارك في السلطة وسيغيب حينها معنى أي سيادة شعبية .

الثانية : أزمة الدافعية : وهي أزمة يمكن بجزء منها أن تنسل وتتفرع من مشكلة الشرعية، (بسبب عدم الرضا تجاه النظام السياسي واليأس منه يؤدي إلى رفض المشاركة بأي شكل من الأشكال معه ) إلا إننا نجعلها مستقلة لكونها تمثل العجز في الجانب المواطني أو جانب الناخبين ، في مقابل الدولة وأزمتها ( الشرعية) .وتتلخص أزمة الدافعية في إضعاف دافعية الناس للمشاركة مشاركة فاعلة في النظام على أي وجه من الوجوه.. ومن أسبابها تنامي قوة الدولة البيروقراطية والذي يؤدي إلى ضعف إمكانية المشاركة المثمرة في عملية اتخاذ القرار ، عبر المؤسسات الديمقراطية كالأحزاب أو الانتخابات (
[16]) ومن أسبابها عدم إيمان المواطنين بنموذج الحكم أو عدم الوعي به من جانب ومن جانب آخر فشل النظام السياسي في تلبية مطالب المواطنين ويزداد سوءا حينما يواكب المواطن نفسه أكثر من تجربة ديمقراطية ويكون الفشل أو العجر هو حليفها ، فذلك يقود كنتيجة مقبولة في أعظم الحالات إلى صنع نوع من النفور واللامبالاة بالعملية السياسية بل النظام وبمختلف نماذجه ، ومن أهم أعراض هذه الأزمة الحركات الطلابية والنقابية وبعض النصوص الفلسفية والفكرية التي تنظر باتجاه فشل النظام الديمقراطي وضرورة استبداله ، وعليه كان نموذج الديمقراطية التفاعلية نموذج محاولة أيضا للقضاء على إمكانية أن تكون هنالك أزمة دافعية عبر مشاركة المواطنين الفعالة .* النظام السياسي : هو نظام اجتماعي وظيفته إدارة موارد المجتمع استنادا إلى سلطة مخولة له وتحقيق الصالح العام عن طريق سن وتفعيل السياسات. و النظام السياسي: في صورته السلوكية هو تلك المجموعة المترابطة من السلوك المقنن الذي ينظم عمل كل القوى والمؤسسات والوحدات الجزئية التي يتألف منها أي كل سياسي داخل أي بناء اجتماعي. والنظام السياسي: في صورته الهيكلية هو عبارة عن مجموعة المؤسسات التي تتوزع بينها عملية صنع القرار السياسي وهي المؤسسات التشريعية والتنفيذية والقضائية** من الايجابيات ، الصفة العامة لدور الشعب في الحكم ، وتسيده على أموره وشؤونه الخاصة ، وحقه في التصدي لإدارة شؤون العامة ..
إذا كانت السياسة العامة تعني : ماتقوم به الحكومة أو تعتزم القيام به لحل مشكلة عامة تواجه المجتمع ، أو لتوفير حاجات يتطلبها المجتمع أو لتحقيق أهدافه أو حلول مشاكله (
[1]) ، فانه يتحتم علينا أن نقر بتأثير الرأي العام على السياسة العامة في تحديد برامجها وموضوعاتها وعليه يمكن القول أن الرأي العام يمثل هنا مرحلتين الأولى تمثل المطالب كسبب لرسم السياسة العامة والمرحلة الثانية هي متابعة نتيجة السياسة المخططة والمتبعة والصادرة عن السلطة ( كسياسة عامة) والمتابعة هذه تعد مصدرا للتغذية الاسترجاعية التي على أساسها تقاس مديات تطابق التشريعات مع مصالح المجتمع ، لكن يتوجب علينا أن نبين معنى أن يكون رأيا ما ، رأياً عاماً . وعليه ماهي شروط أن يكون القول أو الفكر أو الخطاب الجمعي رأياً عاماً ؟اعتقد انه يمكن تلخيص هذه الشروط بما يلي:1- أن تكون هنالك حكومة منظمة ، فمن دون سلطة تنظم مطالب الرأي وتستجيب له ، يكون من السخف أن نقر بوجود رأيا عاما .([2])2- وجوب وجود نوع من التجانس الاجتماعي والذي يمثل مفهوم الأمة ، وذلك بالضد من الانقسامات الطبقية أو السياسية أو الدينية أو العرقية والجنسية ، وذلك لان أي رأي لايمكن أن يأخذ شرعيته باعتباره رأيا عاما مادام مفهوم المصلحة العامة - التي تتمثل بالهوية الكبرى أو الأمة التي تجمع تحتها كل الانقسامات المتوقعة والتي تعرقل نشوء رأي عام - غائب .3- يجب أن يكون للأقلية حرية التعبير عن جميع آرائها بشرط الوسائل السلمية ، وذلك لأن هامش الحرية هذا يعد مبررا لتكوين الرأي العام وان كان يمثل رأي الأغلبية دونما الأقلية وان كان قد خالفها ، اعتقادا منها إنها شاركت بإبداء رأيها بكل حرية وإنها لم تضطهد من الأغلب بل إنها ستعمل من اجل كسب رأي البعض من الأغلبية إلى صالحها ، وهذه الإمكانية المتاحة تعطي نوع من الشرعية للرأي العام . ([3])4- أما عن تحقيق ماهية الرأي فليس كل ما يصدر عن الشخص من موقف يعد رأيا فقد يكون ليس صادرا عنه وعن إرادته الواعية الحرة ، وعليه يجب أن لا يكون الموقف والرأي صادرا عن الغير ومتبعا بصورة عمياء وتبعية بلاوعي ، بل يجب توفر الفهم والوعي لرأي الغير([4]) ، ودليل ذلك انه لايمكن عد الرأي الصادر من بعض الأشخاص الطيبين مثلا أو رجال الدين إتباعا أعمى وغير نقدي وغير واعي أو متفهم لأبعاده على انه رأي خاص بنا ومن ثم بمجموع مثل هكذا آراء يكون قد حققنا رأيا عاما ، لا فهنا الرأي لا يعد عاما لأنه ليس خاليا من هيمنة الآخر أو الغير وغياب الحرية للفرد صاحب الرأي وبالتالي غياب حرية المجتمع . وعليه وبعد بيان مستلزمات قيام الرأي العام ، فانه يتحتم علينا أن نفهم بيئة تكونه، وأدوات اتصاله بالسلطة ، واعتماد السياسة العامة عليه .والبيئة الأساسية لتكوين الرأي العام هي المجال أو الميدان أو الفضاء العام ويقصد به : " مجموعة مؤسسات وأماكن عمومية تقف بين المجتمع المدني والدولة ، وتمارس الوساطة بين المصالح العامة والمصالح الخاصة "([5]) وهو يتكون من الصالونات الأدبية والثقافية بالإضافة إلى المقاهي والمشارب والأماكن المشتركة التي تجعل إمكانية قيام رأي عام يعارض أو يتابع سلطة الدولة وبرامجها قائماً .و تلعب المعارضة والنقد والتقويم دور الثيمة الأساسية في الرأي العام ولاسيما حينما تظهر كمطالب تجاه النظام السياسي وسلطته من اجل تعديل نتائج السياسة العامة والحكومية لكي تكون ملائمة للمصلحة العامة ، وعليه يرى البعض إن القدرة على المعارضة - وهي عنصر تكويني أساسي في اللعبة السياسية- هي في طريقها إلى الاختفاء ، وعليه ينبغي إذا إعادة إطلاق أخلاقية المناقشة والحوار للتصدي ولصنع الرأي العام والذي هيمن عليه محترفو السياسة والتسويق وشركات الإعلان ، لذلك يتضح أهمية الرقابة على عالم السياسة ([6]) ، وعلى ذلك فإن إعادة البعدين الأخلاقي ( بين أفراد المجتمع عبر الحوار العقلاني ) والنقدي( الذي يبين هيمنة واستعمار السلطة والسوق للرأي العام ومجاله وبالتالي يتحكمون بمصير المجتمع) هي الكفيلة بإعادة هيكلة الرأي العام الناجح المؤثر بفعالية على قرارات السلطة ورجال السياسة . ومن ذلك يجب أن يكون الرأي العام "صندوق رنّان للمشاكل الاجتماعية الشاملة "([7]) وبقدر مايسعى الرأي العام التأثير في السياسة العامة بل وفي النظام السياسي ككل ، نجد أن العكس - أيضا موجود وبقوة ووضوح- وهو تدخل السلطة عبر أدواتها مثل الأحزاب {ووسائل الإعلام} في التأثير على الرأي العام ([8]) .وعليه يبقى الجدل قائما بين السلطة والرأي العام عبر تبادل التأثير وذلك ما ينعكس على السياسة العامة .قيام الرأي العام في العراقعقبات لابد من تجاوزهابعد ما تقدم من توضيح لمعنى الرأي العام والأسس والشروط التي يجب توفرها فإنه تتضح الإجابة عن التساؤل الذي يستفهم حول إمكانية وجود رأي عام في العراق . وهي ( أي الإجابة) انه غير موجود وهذا لا يعني انه كان وقد اختفى بسبب الظروف السياسية التي مر ويمر بها العراق منذ عام 2003 ، لا بل إن غياب الرأي العام يمتد إلى حقبات ابعد وأكثر عمقا في جذورها التاريخية ، وقد لا أبالغ إن قلت إنها تمتد إلى نشوء أولى النظم السياسية الغابرة ، حيث إن الولاء والرأي الأول والأخير لم يكن لمجموع الشعب وإرادتهم العامة وعليه لم يكن بإستطاعتهم أن يعوا أهمية أن يكونوا هم أصحاب الموقف ، بل كانت سياسة الاتكال القهري و القسري هي النافذة ، لذلك كانت الأمور موكولة إلى الكهنة تارة والى الحكام تارة أخرى ، وامتد وتواصل هذا المشروع حتى الفترة المعاصرة ، وبالرغم من ظهوره( الرأي العام) بشكل واضح وجلي في منتصف القرن الثامن عشر (1712-1778) مع روسو ومفهوم الإرادة العامة وان كانت تمثل أعظم من مفهوم الرأي العام الدارج اليوم إذ كانت تمثل السلطة الحقيقة والسيادة الجمعية للشعب على السلطة وليس في قبالها ، إلا إن الرأي العام وان اخذ ينحت باتجاه كونه موقف جمعي مثل الأغلبية أو إجماع المجتمع تجاه قضية من قضايا الشأن العام أو الشأن السياسي ، إلا إن العراق لم يستطع أن يستقبل هذا الضيف ،حاله حال الدول الشرق أوسطية التي كانت خاضعة لحكم إمبراطوريات تعسفية متطرفة دينيا ، أو تداول لإحتلالات واستغلال من قبل دول أجنبية ، دعا كل ذلك إلى عرقلة تنمية الفكر العراقي كجزء من كل هو معظم الشرق الأوسط ( أو ما يسمى بالعالم العربي) إلا إن بادرة الأمل كانت قد سجلت حينما تأسست الدولة العراقية كدولة بالمفهوم الحديث الذي يعتمد الشعب والحدود الجغرافية والسلطة السياسية أُسساً له .إلا إن النظام الملكي وانتهاجه منهج وبرنامج إبقاء الحال على ماهو عليه باستثناء الخواص من الإقطاعيين والبرجوازيين ( واقصد بهم أصحاب الامتيازات والوجهاء وملاك رؤوس الأموال و..) كان بدوره يعد عقبة أخرى في سبيل تنمية الواقع العراقي الاجتماعي وبالتالي عرقلة قيام رأي عام أو حتى قيام أي رأي جمعي .وتتالت الحكومات وبقي مشروع الإبقاء على ثقافة التخصيص الفئوي لرجالات السلطة وبالتالي للمؤثرين في القرار العراقي السياسي مقتصرا في كل فترة على أناس دونما غيرهم متناسين بذلك إنهم قتلوا موضوعة التجانس الاجتماعي ومحاولة تذويب الفوارق الاجتماعية والسياسية التي نشأت بسبب هذه السلوكيات .وكذلك وحينما ظهر مفهوم وممارسة الحزب السياسي في العراق فإنه لم يستطع أن يتعامل مع موضوعة الرأي العام وتنميته وذلك لأسباب مختلفة منها هلامية معالم الحزب نفسه وتمثيله للأقلية في اغلب التجارب في العراق ،و اعتماد موضوع الحزب المهيمن والأوحد كنموذج للممارسة الحزبية في العراق مما حدا بالرأي العام لان يكون خاضعة لقوة السلطة ( العسكرية وغيره ) كما أصبح أسيراً لشبكات الإعلام المرئية والمقروءة والمسموعة والتي أحكمت القبضة على حرية الرأي عبر توجيهه في صالح السلطة على الدوام .وحينما وصل العراق إلى المرحلة الجديدة عام 2003 والتي هدت النظام الاستبدادي معلنة بداية جديدة شبيهة بمرحلة تأسيس الدولة العراقية في العشرينات ، وذلك عبر محاولة إقامة نظام سياسي لم يشهده العراقيون ولم يعوه بعد ( النظام الديمقراطي الحاضر ، والملكي النيابي سابقا) وبعد انبثاق أول الدساتير المشرعة باستفتاء شعبي في العراق وتأسيس البرلمان وانتخاب أول حكومة كمشاركة فعلية للشعب وخالية من الهيمنة والاستبداد نوعا ما ، نشأ نظام تعددي حزبي نقل المعادلة من الحزب الواحد إلى انفراط عقد التعددية الحزبية لتجد نفسها أمام أزمة أخرى وعقبة مضافة في طريق تكوين الرأي العام في العراق ، لان المعلوم إن اغلب الأحزاب المتشكلة بالعراق أصبحت تشبه العمل النقابي الذي يمثل فئات معينة من الشعب دون غيرها (المصالح الخاصة لفئة دونما غيرها) ، وذلك سبب غياب الأحزاب الوطنية الكبرى ( عن التأثير والتمثيل )والتي يمكن لها أن تمثل الطموح .إذن يمكنني أن أوجز عقبات قيام رأي عام في العراق بالاتي:1- غياب مفهوم الأمة والذي تجلى تاريخيا بالتفضيل الطبقي والعرقي والديني والسياسي مما حدا بالتجانس الاجتماعي المفترض قيامه تلازما مع نشوء الدولة العراقية كدولة حديثة . وذلك لان الدولة الحديثة مرتبطة ارتباطا لصيقا بمفهوم الأمة .2- ترتب على غياب مفهوم الأمة غياب إمكانية تمثيل حزب معين للشعب برمته أو أغلبيته ، لذلك أصبح العمل الحزبي رهين المصالح الفئوية والخاصة ؛ وان كان هذا الأمر ينطبق على الكثير من الأحزاب على المستوى العالمي .3- غياب البيئة المناسبة لنشوء وتنمية الرأي العام واقصد بها : غياب فاعلية الصالونات الأدبية والثقافية واقتصارها إما على الابتعاد وهجرة الواقع وهي المهمة التي يقوم بها الفن العراقي اليوم أو عبر المنتوج الثقافي الذي ينأى بنفسه عن السياسة بسبب تراكمات الماضي (التي كممت الكثير من الأفواه وجففت الكثير من الأقلام) ، وان كان لا يخفى مساهمة البعض من الباحثين و الاكاديمين والمثقفين في إنتاج ما يمس الشأن العام تحليلا ونقدا ، إلا انه بقي للان محصورا في قفص المراكز الأكاديمية ،ومن المشاكل الأخرى التي تهدد قيام الميدان العام الذي هو أساس الرأي العام هو افتقاد هذه البيئة عناصر تكونها بسبب الإرهاب الفكري والجسدي الممارس من قبل البعض من فئات المجتمع العراقي ولاسيما الجماعات المتطرفة.وعليه إذا أردنا أن ننشئ رأيا عاما عراقيا فإنه يتوجب السعي نحو بناء مفهوم الأمة العراقية ، وتخليص الأحزاب من الأطر التي أطرت نفسها بها ( الفئوية) نحو مشروع رحب هو الوطنية العراقية ، كما إننا يجب أن نسهم إسهاما واضحا مشتركا (مجتمعا وسلطة) في سبيل إعادة بناء المجال العام الذي هو البيئة والأرضية الواجب توفرها لخلق الرأي العام .وهنالك من يعتقد بوجود رأي عام اليوم في العراق إلا إنه يجب أن يميز بين كونه تابع أو حر ومستقل هذا أولاً ، وثانيا إن مانشاهده من عمليات للتعبير عن الرأي الجمعي في العراق في غالبه يفتقد الروح المنهجية التي يتطلبها ممارسة الضغط أو تكوين المطالب والتي مازالت غير واضحة المعالم في كل التجمعات أو النقاشات حول موضوعات الشأن العراقي العام ؛ كما إنها في الغالب جاءت كردود فعل على ممارسات المغاير له في الهوية الفئوية ولم تكن تمثل الأمة العراقية.
دراسة للاستاذ المحمداوي تنشرها المجلة السياسية والدولية عن الديمقراطية ومفهومها ومعانيها في المجتمعات المتجانسة والمتعددة

نحن واستشراف المستقبل
مشروع حضاري بحاجة للانجاز

علي عبود المحمداوي
مدرس الفلسفة المساعد في كلية الآداب– جامعة بغداد
علم المستقبليات :(علم لبناء مشروع حضاري )

استشراف المستقبل ودراسته وما له من أهمية في حياة الإنسان ومجالات السياسة الدولية ومصالحها كل ذلك جعل منه موضوعاً مهماً وحيوياً ، وعلى أساس تلك الأهمية خصصت له عدداً من مراكز للبحوث والدراسات الاستراتيجية وجمعيات ومنظمات أخذت على عاتقها الاهتمام بهذا العلم والعمل من اجله ، "وبالرغم من أن الخبرة الإسلامية لازالت متواضعة بالقياس إلى التقدم الذي أحرزته الدول الأخرى في هذا المجال " وكذلك الواقع الفكري للعرب والمسلمين والذي يجعلهم حبيسي الماضي والتراث أكثر من أن يكونوا متطلعين إلى بناء مستقبل خاص أو نظرية فيه ، أو محاولة لصناعته " إلا أن محاولة التعرف على المستقبل والاهتمام به لم تكن وليدة عصرنا هذا أو من إبداعات الفكر الغربي على وجه الخصوص ، وإنما هي مسألة طبيعية بدأت منذ أن انفتح الإنسان القديم على أسرار الطبيعة وبدأت علاقته بالوجود .
البحث في المستقبل الغايات والأهداف : والبحث عن الغاية والهدف من الوجود والبحث عن السعادة وتنظيم العمل والأفكار في سبيل المستقبل الأفضل إنما هي أفكار فلسفية قديمة متجددة وبذلك فان الموضوع اخذ أهميته من جهة كونه مسألة فلسفية ملحة و لحاجة الإنسان دائما إلى تفسير الوجود والبحث عن غايته كما قلنا انفاً ، فأساس فكرة البحث والتنظير والتخطيط لمستقبل ما ( هدف إنساني سابق بالقدم ) لا يجعل ممن يتناوله بالبحث والدراسة مقتصراً عليه وحكرا لانتماء الثقافي أو الفكري الخاص . وعلم المستقبل (Futurology ) : هو علم يهدف إلى توقع الأحداث القادمة والاستعداد لها ومحاولة التأثير فيها ، وكذلك تطوير طرق أفضل للتفكير في عالم الغد ، وكذلك هو دراسة وتوقع وتأمل وارتياد وبحث لأحداث الغد المتوقعة ، وهو كانت دائماً محوراً رئيساً للأحوال الإنسانية فبقاء الإنسان نفسه يعتمد إلى حد كبير جداً على قدرته الواعية على تنظيم الأحداث الحالية في ضوء الخبرات السابقة والأهداف المستقبلية.علم المستقبليات و العالم الإسلامي و العربي :وفيما يخص عالمنا (الإسلامي والعربي ) فإن الكتابات في هذا المجال ظهرت مؤخراً و تعد نادرة إذا ما قورنت بالآخر (الغربي) ، ولا يعني ذلك إن الاهتمام باستشراف المستقبل مسألة مقصورة على المجتمعات الغربية ... إذ إن التفكير في المستقبل احد أهم الهواجس التي شغلت فكر الإنسان منذ بداية ظهوره على سطح الأرض في العصور المبكرة وخلال كل مراحل التاريخ فقد كان الإنسان يرصد دائماً الإحداث التي تدور حوله ويعمل على استشراف التغيرات المستقبلية ، وبعد أن انتبه الانا الإسلامي – العربي إلى أهمية علم المستقبليات والدراسات المستقبلية وتبين له انه يمكن أن يكون بديلاً جيدا عن أفكار الواقع الديني و القومي المبتني على أساس التراث المقدس - الذي لا يغيَّر ولا يطوَّر - فكان لزاماً عليه الالتفات إلى انه إذا أراد أن يبني مستقبل أو ينظر له ، فيجب أن تكون البداية من الآن ومن التوجه والنظر إلى واقعنا قبل النظر إلى الآخر ( الحضاري) ونقده ، وتنطلق المستقبليات من منطلق قدره المعلومات في المساعدة على رسم صورة المستقبل‏ ..‏ وإن لم يفكر أبناء الحضارة لمستقبلها فكر ورسم الآخرون لها ؛ تحت هذه المقولة لابد وان ننظر لحقل أو علم المستقبليات ونقدم فيه ما من شأنه أن ينأى بنا عن موقع التخلف والانغلاق والجهل ‏، والمقصود هنا إن هذا العلم في خدمه المفاوض والمخطط الاستراتيجي لدولة أو جماعة ما‏ ، ومن هذا يتبين ما لهذا العلم من أهمية في رسم صورة المستقبل بشأن الهوية اولاً والعلاقة مع الآخر ثانياً .وقدمت في هذا المجال دراسات عدة من مفكرين عرب وإسلاميين تهدف إلى بناء مشروع نهضوي مستقبلي ، مشروع حضاري لا على أساس الواحدية التي تنفي الآخر بل على أساس مشروع حضاري إسلامي يقبل الآخر كموجود معترفاً به متسامحاً معه قابلاً لوجوده ككيان منفصل بهويته متصلا بتعامله وقبوله الآخر، واخترنا من هذه المشاريع مشروعين هما :1) مشروع الجابري وعلم مستقبلات خاص بنا : يرى محمد عابد الجابري إن عدم تمكننا من تقديم فلسفة للتاريخ تعطي معنى لحاضرنا هو احد أسباب عجزنا عن التخطيط لمستقبلنا ، ذلك لان أية فلسفة للتاريخ ليست قيمتها في ذاتها فهي لا تقدم معارف علمية عن الماضي بل كل قيمتها بما تقوم به من دور في الحاضر ، وبحثاً عن تحديد لأهمية فلسفة التاريخ التقدمية أو ما يمكن أن تقدمه فلسفة التاريخ من فائدة أو اشتراك مع الدراسات المستقبلية التي تعد بالتقدم والنهوض ، يتعرض إلى بحث فكرة فلسفة التاريخ عند كل من ابن خلدون وكوندرسيه ، فهو يعتقد أن حاجة العرب لفلسفة التاريخ برزت مع ابن خلدون يوم كان حاضر الوطن العربي والإسلامي يشهد تغيرات متلاحقة مزدحمة ... ولما كانت هذه التغييرات تعكس في اتجاهها العام " تراجعاً" وليس تقدماً فلقد اتجه صاحب المقدمة إلى تفسير التراجع لا التقدم ... ومن هنا كانت فلسفة التاريخ الخلدونية فلسفة للتراجع ، في حين كانت فلسفة التاريخ عند مفكري أوروبا في عصر النهضة والتنوير فلسفة للتقدم ، ويتبين لنا مدى التفاؤل والأمل الذي يتمتع به مفكر تلك الفترة ، مع كون الظروف مشابهة لظروف ابن خلدون مع اختلاف نتيجة كل منهما ، وان السعي والتقدم والطموح هو ما يحكم الفكر الأوربي حينها على الخلاف تماماً من فكر ابن خلدون الذي تصور إن العالم قد انتهى . ومع علم المستقبليات نجد أن الجابري يبني تخوفاته من هذا العلم ولاسيما الذي يطرح اليوم بشكل منظم ومستوفي لشروط التنظير والتخطيط إذ يعتقد إن " علم المستقبلات كما يطبق في الغرب اليوم ، هو بالنسبة إلينا شعوب العالم الثالث ، علم مخيف يبشر بالكارثة ، بالانحطاط ، والانقراض " ذلك لان الانطلاق من معطيات الحاضر العربي الذي يسوده التمزق الاجتماعي والتخلف الفكري وخاضع للهيمنة الإمبريالية اقتصادياً وسياسياً وعسكرياً وأيديولوجيا ، لا يمكن أن يسمح لعلم المستقبلات ولا لأي علم آخر يعترف بمعطيات الواقع الراهن كحقائق موضوعية نهائية و من ثم يعمل على إسقاط ممكناتها على الغد القريب والبعيد أن يقدم لنا عن المستقبل إلا صورة طبق الأصل عن الحاضر نفسه ، إن لم تكن اشد شؤماً وأكثر ايلاماً وهي في جميع الأحوال لاتبعث على الأمل ولا تقود إلى العمل وعليه يرى الجابري انه يجب أن يكون لنا علم مستقبلات خاص بنا يبشر بالأمل ويحفز على العمل ويقول :" نحن بحاجة إلى أن نعيش مستقبلنا في حاضرنا ومتكئين على ماضينا " ولكن ليس مجرد حلم نهضوي مهلهل قابل للتفكك والتبخر تحت أي صدمة أو كابوس بل كحلم فلسفي عنيد ، حلم يصر على تحويل التاريخ ، حلم يقوم بوظيفة التطهير والإعلاء فيحقق للذات الحالمة ما هي بحاجته من الاستواء والطمأنينة والاتزان ومن ثم تحويل الحاضر كما يقول الجابري إلى جسر يصل بين المستقبلين : يدمج الماضي في المستقبل ويجعل المستقبل ميداناً لتحقيق الماضي واعني إنجاز ما ممكن تحقيقه فيه ولم يتحقق . و يصل الجابري إلى نتيجة صياغة المشروع الحضاري العربي الذي يعده مشروع الماضي ومشروع المستقبل إذ عبر عنه بالنزوع إلى تحقيق أهداف ثلاث هي : الوحدة والتمدين والعقلنة . ويرتبط عرض فكرة الجابري عن مشروع الوحدة العربية وتمدينها وعقلنتها بفكرة نقد الذات ومراجعتها وتنظيم امورها وهذا النقد كفيل باصلاح الرؤية نحو الاخر .2)وفي المشروع الديني الإسلامي الحضاري يرى زكي الميلاد إن الدراسات المستقبلية في عالمنا العربي والإسلامي لن يتأتى له النهوض والتقدم إلا بشرطين أساسيين هما : اولاً : أن يرتفع العالم العربي والإسلامي بنفسه خطوات نحو التقدم العلمي، فالبلدان العربية والإسلامية ما لم تشهد تقدماً ملحوظاً في مجال العلوم الاجتماعية والإنسانية وحتى الطبيعية والتطبيقية فان نمو الدراسات المستقبلية وتطورها لا ينفصل وتقدم هذه العلوم، والتراجع الذي نلاحظه في ميادين العلوم إنما يكرس تراجعاً اشد في حقل الدراسات المستقبلية. ثانياً :إن مجالات البحث العلمي والدراسات المستقبلية بحاجة إلى دعم مالي يلبي كل حاجات ومستلزمات البحث والباحثين والاستعداد في العالم العربي والإسلامي لهذا الدعم لا يزال ضئيلاً ومحدوداً ،وبعد أن يناقش الميلاد مسألة حاجة عالمنا الإسلامي إلى علم المستقبليات والأسس التي تدعم قيام هذا المشروع نجده يصل إلى خلاصة أفكار ومناقشات يضعها في عدة نقاط لتأسيس علم مستقبليات إسلامي ويناقش فيه الوضع الراهن للعالم الإسلامي ومدى تأثيره السلبي إن استمر على ما هو عليه على الإسلام ، هادفا إلى تأسيس علم للمستقبليات يهتم بالشأن الإسلامي كنظرية بحاجة إلى تطبيق فعلي بعيداً عن واقع العالم الإسلامي المرير، ويضع كل ذلك بعدة نقاط وملاحظات منها: انه لا تزال قدرتنا في العالم العربي والإسلامي على دراسة المستقبل ومستقبل الإسلام والعالم الإسلامي على وجه التحديد تعاني من ضعف وقصور ، فهنالك حاجة ماسة إلى العناية بالدراسات المستقبلية الإسلامية وتطويرها في المؤسسات العلمية في المجتمعات الإسلامية وغني عن القول إن الدراسات المستقبلية الإسلامية لا يمكن أن تتم بصورتها المثلى إلا إذا تمت من خلال مراكز البحوث العلمية المتخصصة وإن مستقبلنا يجب أن نصنعه نحن بأيدينا لا أن يصنعه الآخرون لنا ، ونبتكره من داخل حضارتنا وهويتنا وثقافتنا ، لا من داخل حضارة وهوية وثقافة الآخرين ، والمستقبل الذي نريده لأنفسنا ، ليس هو بالضرورة المستقبل الذي يريده الآخرون لنا ، ونحن من يجب أن نختار طريقنا إلى المستقبل ، لا أن نقع في طريق الآخرين (بوعي أو من دون وعي) ، ونعتبره هو طريقنا إليه ويكفي ن نتعلم من الماضي والحاضر كيف نبني مستقبلنا و ، وبملخص للنقاط الأخرى التي يسردها الميلاد نجده يرى بان العالم الإسلامي بحاجة ماسة وملحة إلى إصلاحات على جميع الأصعدة العلمية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية وعلى المسلمين إعادة المكانة والقدسية والاحترام للعلم لأنه مع العلم توجد الحضارة والعكس صحيح ، كما وعى العالم الإسلامي الافادة من تجارب العالم الحضارية ، مع الأخذ بنظر الاعتبار أن الإسلام لديه القدرة الكبيرة على البناء والعمران وصنع التقدم والحضارة ، والمستقبل هو الأمل الذي ينبغي ن نبتكره بأنفسنا لبناء حضاري جديد في ظل عالم متغير ، وقد صحت مقولة إن المستقبل يبدأ من الآن ومن هنا ينبغي أن نبدأ. لذا ونحن إذ نفكر في المستقبل ، إنما نحاول في ذلك أن نستعد لمواجهة الحوادث والطوارئ المتوقع منها أو الغير متوقع ، ويجب أن يكون ذلك الاستعداد من الأهمية بقدر ما نحاول من قراءة الأحداث وتشخيص الواقع الحاضر ، فالمستقبل ليس مشروعاً مطلقاً وعاما ً جاهزاً للتطبيق ، وإنما هو ما نصنعه نحن بأنفسنا ، وعالمنا عبر ما ننتجه من الواقع والحقائق ، فهو قدرتنا على ابتكار الجدد والمهم غير المسبوق ، مستقبلنا إذن ؛ هو رهاننا على أن نغير مما نحن فيه فكراً وممارسة نظريةً وتطبيقاً ولكي نغير علاقاتنا بذواتنا وبالواقع ولذا فمن يفكر في أمر المستقبل لا يرجم بالغيب ، وإنما يحاول أن يقرأ ما يحدث ليسهم في تشكيل العالم وصناعة مشاهده وأحداثه .يه او يرتبط بلا انفكاك .

علي عبود المحمداويمن هو المثقف؟ ماهو تعريفه ؟ وهل يمكن ان تكون الإضافة او التقييد مقبولة مع تسمية المثقف ، كأن نقول المثقف الديني على سبيل المثال؟ يعرف أركون المثقف بأنه "من يتحلى بروح مستقلة ،محبة للاستكشاف والتحري وذات نزعة نقدية واحتجاجية تشتغل بأسم حقوق الروح والفكر، ومنه نرى النقد هو ما لازم معنى المثقف ومهمته وفي إجابة على التساؤل الآنف الذكر في معنى المثقف الديني يحاول الميلاد ان يجد ذلك التناسق والتجانس بين مهمة المثقف والمهمة الدينية وذلك من خلال اشتراكهما في هدف قول الحق والذي يقابله في مفاهيم منظومة المثقف الفكرية بمصطلح النقد.وأرى ان حقيقة النزعة النقدية هي جوهر وماهية المثقف ، وبالتالي فإن محاولة انتزاع النقد عن المثقف يمثل نفياً لهويته وكينونته ، ومنه نتساءل أين نجد المثقف الإسلامي او الديني ؟ وهل يستطيع ان يوجه نقداً حراً مفتوحاً مع وجود تعاليم وحدود وقيود وقوانين تحد وتؤطر من مستوى ذلك النقد؟
صدر في العاصمة السورية دمشق عن دار صفحات للدراسات والنشر, كتاب بعنوان: (الفكر الشيعي المعاصر رؤية في التجديد والإبداع الفلسفي.. الصدر, المدرسي, الميلاد نماذج), لمؤلفه الباحث العراقي الأستاذ علي عبود المحمداوي الذي يشغل منصب مدرس مساعد في قسم الفلسفة كلية الآداب جامعة بغداد.
ويحاول الكتاب البحث عن ملامح وعناصر التجديد والإبداع الفكري والفلسفي في الفكر الإسلامي الشيعي المعاصر, بالاستناد على ثلاثة نماذج معاصرة, تمثلت في السيد محمد باقر الصدر, والسيد محمد تقي المدرسي, والأستاذ زكي الميلاد.
وقد حاول المؤلف الكشف عن عناصر التجديد والإبداع عند كل واحد من هؤلاء النماذج الثلاثة, حيث بدأ الحديث عن السيد الصدر, ثم السيد المدرسي, وفي القسم الثالث تحدث عن الأستاذ زكي الميلاد, حيث تطرق إلى مشروعه الفكري الذي يشتغل عليه, وأشار إلى بعض النظريات والاطروحات في هذا الشأن, وذلك بالاستناد على مؤلفاته وكتاباته وحواراته.
وفي خاتمة البحث اعتبر المؤلف أن الأستاذ الميلاد قد أبدع في مجالات عدة, يمكننا أن نذكر منها ما قدمه في مجال نظرية المعرفة وأسلمة المعرفة, ومقاربته للأصول على أنها منطق إسلامي. كما أبدع في قراءته الجديدة لجدلية السلطة والمثقف من خلال قراءة لتنوع ماهية هذه العلاقة, واختلاف تجلياته من إعلاء الثقافة على السياسة, إلى هيمنة السياسة على الثقافة, إلى مشكلة الخلط بين الثقافة والسياسة, ومن ثم معنى الثقافة كبديل عن السياسة.
كما نحت الميلاد معنى جديدا لمفهوم المثقف الديني وحدد له مهام أعادت له موقعه القوي بين نماذج المثقفين الآخرين، معتمدا في ذلك على أن روح المثقف والتي هي النقد لا تتعارض مع كون المثقف متدينا, وما إلى ذلك من تداعيات ونتائج.
وفي أهم ما قدمه الميلاد كمهتم بشؤون المسألة الحضارية هو نظريته في التعامل مع الآخر الحضاري, والتي جاءت بالضد من نظرية صراع الحضارات, وتصحيحا لنظرية حوار الحضارات, وهي تعارف الحضارات.
"الذات والآخر" أو "الأنا والغير" ثنائية محمومة ساخنة منذ ظهورها كمشكلة معرفية أو مقياس للحقيقة ومرورا بانتقالها إلى الحيزين الاجتماعي والسياسي ومازالت كما كانت ، إلا ان كل المسيرة السابقة انتصرت للذات في مقابل الآخر ، الا ان قلبت المعادلة بقوة مرافقة لإعادة تأطيرها وصياغتها مع دريدا ( الفيلسوف الفرنسي) في مشروعه العدمي التفكيكي ، واقصد إعادة قلب الثنائية لا من اجل مركزية الآخر على حساب الذات وإنما من اجل تحقيق حضور الغائب بتعادل كفتي الثنائية الذات والآخر ، والسؤال هل نمارس نحن اليوم ومن خلال قرائتنا وكتابتنا وسلوكنا هذه المنهجية ؟ هل مازلنا ننتصر لمركزية الذات في قبال الآخر ؟ بالتأكيد إن الإرث كبير على عقولنا ولاسيما بسبب المنظومة المعرفية التي تسيرنا والتي اعتمدناها كمعيار للحقيقة ، إلا إن الأمر لا يمكن أن يقف عند هذا الحد فقد ان الاوان إلى أن نحقق ذاتنا من خلال ضرورة وجود الآخر ، ويمكن ان ينطبق كلامنا هذا إذا أبعدناه عن ممارسة القراءة والكتابة على سلوكياتنا واقصد فحص منهجيات سلوكياتنا تجاه الآخر ولنأخذ على سبيل المثل النموذج الذي يعنى بالآخر ويعده موجود يحتاج ونحتاج للتعامل معه وهو منهج التسامح ولنتساءل هل هو كفيل بحل مشاكل العنف والإلغاء التي نالت منا ؟ اعتقد أن التسامح أصبح اليوم منقوصا وذلك لان فيه كذلك انتصار للذات والتمنن على الآخر ومنح الهبات والهدايا له لأنه الأضعف والأقل والهامش لا لأننا بحاجته ولا لأنه هو من يحقق حضورنا ولا لأنه كان وما يزال وسيبقى المانح والواهب والحقيقة التي نهرب منها ولا نستطيع مواجهتها ، الآخر هو من نريده ان يعترف بنا ، فهو مشروعنا وهو المبدأ والغاية والمنهج ، كيف يمكن أن نوظف خطابنا السابق كممارسة ؟ تجليات ذلك يمكن أن تتضح من خلال جوانب عدة منها : الجانب الاجتماعي وهو مايمكن أن نلمحه حينما نتعامل مع الطرف الآخر من المجتمع على انه من يكملني ومن أنا بحاجته دائما وذلك من شأنه أن يخلق جوا من التعاون والعلاقات الاجتماعية الناجحة وعليه سيكون الكل يتعامل مع الكل على إنهم في مشروع كبير عنوانه إننا كلنا نتعايش سويا ولا يمكن أن يعيش احدنا بمفرده أو على حساب الآخر ، والجانب الثاني هو السياسي واقصد حينما يفقه السياسي أن عليه أن يلزم نفسه بممارسة تعني حق الآخر في أن يجد من يمثله تارة أو من يشاركه السلطة تارة أخرى أو حينما يشعر بمسؤولية الائتمان لصوت الناخب الذي أصبح آخراً في مخيلته ولم يعِ ذلك السياسي انه تحقق ووصل لما هو عليه بسبب ذلك الآخر، فإن وعى ذلك فإنه سيحقق حضورا عند الذوات الأخرى وسيحقق ذاته من جراء هذه الممارسة ، وجانب ثالث يعلو ويسمو على الجانبين السابقين إذ انه يتجاوز حدود المجتمعات من جهة وحدود الممارسة السياسية الضيقة ( اقصد بالضيقة السياسة الخاصة بإدارة دولة ما لشؤونها الداخلية) إلى فضاء رحب كبير اسمه الإنسانية فان وصلت هذه الدعوات والآمال إلى مسامع الإنسانية جمعاء فلبرما سيكون تحقيقها هو الغرض الأكبر والغاية المثلى والقيمة الأعظم وبالرغم من نسبية رأيي إلا انه يمثل دعوة من الدعوات نحو العيش المشترك وما دعوات الحوار الحضاري او حوار الأديان وتعارفها إلا خطوات في هذه السبيل الا انه كان ينقصها انها تنطلق من رؤية الذوات في قبال الذوات وليس تحقيق الذوات من خلال الاعتراف بوجود الآخر ، واعتقد إنها العقبة الكبرى لمشاريع الحوار تلك ، على العموم واكرر مقلته انفاً ، ما كلامنا الا دعوة وامل لكي يكون الاخر مشروعا لتحقيق الذات .